آخر الأخبار

التصوف المغربي: ركيزة روحية لتعزيز استقرار الدولة والمجتمع

[بلادي نيوز]25 يوليو 2025
التصوف المغربي: ركيزة روحية لتعزيز استقرار الدولة والمجتمع

Beladinews.ma

يُشكّل النموذج المغربي في تدبير الشأن الديني تجربة فريدة ومتميزة تستند إلى ثلاثية متكاملة: العقيدة الأشعرية، والمذهب المالكي، وإمارة المؤمنين. هذه الأسس تُكوِّن بنية متماسكة تحمي المجتمع من الاختراقات الفكرية، وتحصنه من التيارات المتطرفة، وتُعزز الاستقرار الروحي والوجداني داخل المملكة.

التصوف في خدمة الدولة والمجتمع

في هذا السياق، توقف الدكتور أحمد فلوس عند الجذور التاريخية للتصوف المغربي، مبرزاً كيف حظي هذا المسار الروحي برعاية خاصة من الدولة منذ العصور المرينية والسعدية ومروراً بالدولة العلوية الشريفة. فقد شكّل التصوف على مرّ القرون دعامة أساسية لترسيخ الأمن الروحي، وتقوية السلطة المركزية، وخلق فضاءات علمية واجتماعية عبر الزوايا، كانت بمثابة مراكز إشعاع ديني وثقافي ومقاومة للاستعمار.

وأضاف الدكتور فلوس أن الزوايا الصوفية لم تكن مجرد فضاءات روحية، بل أسهمت أيضاً في توفير الخدمات الاجتماعية، وتحقيق التكافل بين أفراد المجتمع، مع الحفاظ على هوية مغربية متجذرة في قيم المحبة والوسطية والتسامح.

المرونة النفسية وسيكولوجيا المعنى

من جانبه، سلّط الأستاذ محداد الضوء على البُعد النفسي العميق للتصوف، مشيراً إلى ما أسماه “سيكولوجيا المعنى” بوصفها جوهرًا في تعزيز المرونة النفسية لدى الفرد، وهي القدرة على التحمل والصبر والثبات أمام الأزمات.
وقال محداد: “تجد سعادتك حينما تتراكم عليك الأحزان… لأنك لا تعود رهين الظروف، بل محرَّكٌ بالمعنى، وهذا ما يُكسبك قوة داخلية تتجاوز بها الصدمات”.

التصوف المغربي… دعوة إلى السكينة والاتزان

وتقاطعت مداخلات المشاركين في التأكيد على أن التصوف المغربي الأصيل لا يعني الانفصال عن الواقع، بل هو انخراط فيه بروحانية متوازنة ورؤية عقلانية. فالتصوف كما تجذّر في المغرب، هو فن العيش بحب وصفاء، والاحتفاء بالحياة دون التفريط في القيم، والتعامل مع الآخر من منطلق الرحمة وليس الإقصاء.

هذا التصوف الأصيل ظل على مدى قرون يحظى برعاية خاصة من المؤسسة الملكية، ما ساعد على استمراريته وانتشاره في مختلف مناطق المملكة، وجعله جزءاً من هوية الإنسان المغربي.

مكناس تحتفي بالتصوف في مهرجان عيساوة

وفي هذا الإطار، كانت مدينة مكناس على موعد مع احتفاء خاص بهذا الإرث الروحي، من خلال احتضانها النسخة الخامسة من مهرجان عيساوة، الذي نظّم مجموعة من الندوات الفكرية والعلمية، والعروض الفنية الصوفية، التي أبرزت غنى المدرسة العيساوية كرافد أصيل من روافد التصوف المغربي.

وقد ناقشت الندوات المنظمة خلال هذا المهرجان دور التصوف في خدمة الدولة وترسيخ التماسك الاجتماعي، بالإضافة إلى إسهام الزوايا في نشر ثقافة التسامح والعيش المشترك. كما شكل المهرجان فرصة لإحياء التراث الروحي المكناسي، وربط الأجيال الجديدة بهذا العمق الحضاري.

خلاصة

إن التصوف المغربي ليس مجرد ممارسة دينية، بل هو نظام متكامل للعيش والتفكير، بُني على أساس التوازن بين الروح والعقل، وبين الالتزام الديني والانفتاح الحضاري. ومن خلال فعاليات مثل مهرجان عيساوة بمكناس، يستمر المغرب في إبراز خصوصيته الدينية والروحية، وتعزيز ثقافة السلم والانفتاح في عالم مضطرب.

الاخبار العاجلة