محسن الأكرمين.
قد تكون معرفتنا بناس أهل حي الزيتون معرفة ذات سبق عائلي/ أسري، أو ذا صلة قرابة وصحبة أجيال والرفقة. (ولد القبيلة) جملة بداية متداولة بين ناس الحي الأصليين بتقادم المكان فقط، هي الحامل(ولد) والمحمول (القبيلة) الذي يضم كل الشرائح الاجتماعية، والترابط في القيم والأخلاق المتينة، وتقاسم أمكنة وزمن حي الزيتون (القديم).
كثيرا ما يستهويني تتبع شخصيات من أبناء القبيلة والتوثيق لهم بالذكر. كثيرا ما تشدني الحمية (العشائرية/ ولد- بنت-القبيلة) بالحب والترافع عن الحي الزيتون الذي بات في رزمة من المهمولات والتهميش التنموي الحضاري !! نعم، من بريق أعين ناس الزيتون، قد يتبادلون التحية والمعرفة والاحترام. من أعينهم جميعا تشعر بالود والاطمئنان، وكل أبواب المنازل كانت في قديم الزمن القريب مفتوحة، ما عليك إلا قرع الباب والولوج إلى صحن الدار والاستمتاع ببراد شاي منعنع. عشنا صغارا بحي الزيتون و استمتعنا بعراصيه الخضراء. عشنا ونحن نحمل معنا البراءة والسليقة السمحة، وتربينا على القيم، وأخلاق الدين الاجتماعي/ التعاملي. تربينا على الرأي والرأي المضاد، وإثبات الذات (الفاهمة/ المعرفية) على أيدي مشعل من الوطنيين الأشداء، ومن مؤسسي الأحزاب ذات المرجعيات الشعبية.
يقولون: (صدفة خير من ألف ميعاد)، هي التي كانت عثرتي الفرحة، حين التقيت بالسيد الحاج أحمد بن العلام. فحين نظر في عيني والتقت النظرة الناظرة بابتسامة، قام من مقعده في المقهى المجاور لمستوصف الجبابرة، وضمني بشعور حب اللقاء الأول مع (ولد القبيلة) بعد أن كان تواصلي معه فقط في صفحات المواقع الإليكترونية الاجتماعية.
الحاج أحمد بن العلام، ابن حي الزيتون (ابن القبيلة القديمة)، التي كانت عامرة بأسرها وسلالاتهم العائلية. أب الحاج أحمد، كان صديق الوالد (رحمهما الله بجنات الخلد). يكبرني (الحاج) سنا، ومساره الدراسي كان مع أخي الأكبر مصطفى. درسوا بمدرسة الجبابرة (ابن الرومي حديثا)، ثم انتقلوا إلى ثانوية المولى إسماعيل، ومنها تم التوجيه في مساراتهم المهنية. الحاج أحمد بن العلام توجه نحو التكوين التقني في مجال البث التلفزي والإذاعي (جبل زرهون/ الصحراء المغربية بعد المسيرة الخضراء)، أما أخي مصطفى فبعد مسار عملي تكويني بات (مهدنسا ميكانيكيا في الطيران المدني).
جلسة مع الرجل، رغم أنها قصيرة في زمنها الساعاتي، لكنها كانت غنية من حيث استحضار الذكريات ذات القيمة الاجتماعية لأبناء القبيلة، فحين همَّ على الانصراف أعلن لي عن حكاية جعلتني حينها أقوم من موضعي وأتوجه إلى مقبرة سيدي عياد للترحم على الوالد (رحمه الله). يحكي الرجل سي أحمد بن العلام، يوم كانت الشهادة الابتدائية ذات قيمة علمية ومعرفية، كان مركز الامتحان بثانوية الأميرة لالة أمينة (حمرية). وكان التلاميذ يقضون يومهم تاما في مركز الامتحان.
يحكي أنه حضر أبي (رحمه الله) إلى باب ثانوية الأميرة لالة أمينة، ومعه خبزتين محشوتين (بالكفتة) اللحم المفروم، وحين كلف حارس المؤسسة بإعطاء وجبة الغذاء لأخي (مصطفى)، أرسل كذلك تلك الخبزة الثانية ذات رائحة الشواء اللذيذ إلى التلميذ أحمد بن العلام (ابن صديقه)، مع توصية للحارس الأمين: قل لأحمد بن العلام أن أباك أرسل لك وجبة غذائك. يذكر سي أحمد بن العلام، مدى سعاته ولذة طعام الخبزة، وهو يتقاسم أطراف الحديث في ساحة المؤسسة مع أخي حول أسئلة وأجوبة الامتحان.
وفي المساء، بعد العودة كما يقول سي أحمد بن العلام، قبل يد والده وأمه (رحمهما الله)، ثم بدأ في الحكي عن الاختبار والأجوبة، و شكر والده على وجبة الغذاء الذي أرسله إليه مع أبي (رحمه الله). يذكر سي أحمد بن العلام، أن أباه لم يقاطعه في الكلام. كان يستمع إليه في صمت وإمعان إلى حد النهاية. وفي الأخير قال له (رحمه الله)، اسمع يا ولدي إنه ابن القبيلة أب مصطفى (بنسالم بن الحاج عبد الكريم/ رحمهما الله)، هو من ابتاع لك هذا الطعام، وأنِّي حتى لم أكلفه بهذا الأمر بتاتا. إنها أخلاق القيم وسلوكات ابن القبيلة الذي فكر في ابنه، كما فكر فيك حتما، وفي توصيته، أراد ألا يحسسك أنه هو من ابتاع لك وجبة غذائك.
هنا يقول سي أحمد بن العلام: أنه فهم المغزى والمقصد. فهم أن اللحمة بين أهل حي الزيتون، والتي كانت وفيرة المورد والمقاصد. فهم أن الواجب بين (أولاد القبيلة) مرات عديدة يُصبح فرض كفاية فما قام به البعض سقط عن الآخرين، إنها فعلا قيم ومدخرات أخلاق حي الزيتون. قال: وعيونه تحمل ذكريات الزمن الماضي (الله يرحمهم جميعا).
كان شعوري والله فوق طاقتي الشعورية والروحية. فلم أقدر على البكاء بالمقهى أمام جلوسي ومرافقي (سي محمد كوفة)، بل ارتجلت مشيا ووقفت على قبر أبي وعائلتي بالبكاء والدعاء، والترحم على الجميع. فتحية ثانية للحاج أحمد بن العلام على هذه المناقب ذات العلاقات الاجتماعية الرصينة بحي الزيتون، شكرا له لأنه يأتي من سلا، لكي يقوم بصلة الرحم، ومجالسة جيل من أصالة (قبيلة الزيتون).