محسن الأكرمين.
ونحن نقترب من سنة الاختبار/ الانتخابي (2026) الذي تعز فيه اللوائح أو تدل. وفي لحظة تفكير غافلة، تذكرت تعليمات قصة دالة، ترددت على مخيلة (جيل بوكماخ) ونحن صغار بالتفكير والتحليل بالعاطفة والحدس. إنها قصة ” النملة والصرصار ”. نعم، قصة تدور أحداثها بألسنة الحيوانات المتكلمة بالحكمة، لكنها بالمقابل هي وصف ذكي لكل تمفصلات الانتخابات التشريعية المغربية في أفق سنة (2026) .
تحكي القصة سجالا دار بين صرصار ونملة بزمان الصيف، وموسم الحصاد، وتخزين المؤونة، حيث تُصور لنا القصة النملة تعمل في جد مستمر، و تجمع القمح، وموارد الدعم للفصل المطير. في حين يجلس الصرصار القرفصاء متبخترا، وهو يعزف على وثر الفرح بموسم (حصاد البرسيم)، ويصفق بيديه فرحانا بتموقعه العاجي على رأس جماعة الصراصير الصغار النشطة في الملاهي والتفاهة.
السؤال الذي بدأ يلوح، ما سر علاقة قصة النملة والصرصار بانتخابات (2026) ؟ السر يكمن في أن نماذج متنوعة من الأحزاب السياسية المغربية تنقسم إلى فئتين، الأولى فئة تتخذ من وجهة تفكير النملة أهدافا مستقبلية لها، فيما الفئة الثانية فهي تتغطى بمرجعية مسلك الصرصار و الاكتفاء بعيش الحياة لحظة بلحظة (البذخ والترف)، والاستنفاع من كل الفرص المتاحة عند موعد جل الاستحقاقات الانتخابية.
الآن توصيفنا للأحزاب السياسية المغربية لن ينصرف إلى الدلالة التشبيهة بالأسماء، بل إلى نوعية التقابلية في الأفعال وأفعال المقايسة لكل واجهات نشأة الخلاف بين الصرصار والنملة.
فطيلة مدة خمس سنوات وتزيد، هناك أحزاب خارجة التغطية التواصلية، أحزاب تلحظ كوادرها الكبار تتناحر باحتلال المواقع داخل الشبكة المتحكمة في الحزب بالقوة أو الإنشطار النووي. أحزاب تلهو مثل الصرصار، وتجدها حاضرة في الأعراس والولائم المليحة، كما في المآتم ولو لأجل أخذ صورة تسوق في المواقع الاليكترونية، وتعلن من خلالها للجميع أنها لازالت واجبة الوجود بالحياة والمهمات المشفرة.
أحزاب تغيب كليا عن مآسي واكراهات الشعب الحقيقة، لكنها يوم الحركة الانتخابية (التبوريدة ) تجدها تشد صف البحث عن تمثيل المواطنين المغاربة، والكرة تتكرر عند كل جذبة انتخابية. إنها معادلة أحزاب (الشتات التي لا قاعدة لها) لتنشيط الانتخابات ولو بمقاربة نيل الدعم وصرف المال العام (لا اللبن لا زعطوط !!!) في الحملة الانتخابية (الاسترزاقية) !!! أحزاب يكون حضورها مثل غناء الصرصار الموسمي، تؤثث المشهد الديمقراطي المغربي بأغاني الدفاع عن حقوق المواطنين فرادى وجماعات، فهي تعتقد أنها البديل الذي يحمل عصا موسى السحرية، وتستبيح تسمية (المخلص المنتظر) للمغاربة من كل الأزمات المدوية التي تشتد ذهابا وإيابا.
فلو قمنا بعرض تخمة لوائح الأحزاب المغربية التي قد تنزل إلى منافسة الانتخابات التشريعية (2026) حزبا تلو الآخر لرسب جل المواطنين المغاربة في معرفة كافة أسماء كل الأحزاب الانشطارية، والمتوالدة بالانشقاق النفعي/الذاتي. إنه الإخفاق المعرفي السياسي الأول الذي سيتعرض له جل المغاربة، قبل أن يتوجهوا إلى صناديق يوم الاقتراع .
لنعد إلى إسناد قصتنا ” النملة والصرصار ” ونكشف أولا بوجود أحزاب شربت حد الارتواء من خصال “النملة” والتي تشتغل طيلة الأيام المشمسة، وحتى في الأيام المطيرة بأعالي المغرب العميق والمشاكل المستجدة. عملها يظهر عبر مجموعة من أنشطة جمعيات المجتمع المدني لجمع قوت الصناديق الانتخابية (الأصوات) القادمة !!! عملها التأطيري والتوجيهي تتكلف به الأجنحة الدعوية/ الفكرية بشقيها المذهبي والسياسي لجمع المريدين !!! وتكبير كثلة الأوفياء والطيعين لسياسة الصندوق الانتخابي !!!
فاشتغال أحزاب (النملة الذكية) يتم عبر خطة مشروع سياسي استراتيجي قصير المدى بالتمدد العددي، وبمنتهى طول المدة بالاكتساح للمقاعد البرلمانية بالأغلبية المطلقة التي لا تحتاج إلى أي تحالف آخر. هنا تجد مؤشرات رؤية البعد السياسي عندها تتم بالأجرأة الفعلية (لقفف رمضان) وغيره من أوجه الدعم العلني والسري. تنتج توزيع (كبش العيد) بالمجان (الحمد لله سنة بتوجيه ملكي بعدم النحر). تشتغل على الموت والكفن، والتشييع وكلمات المدافن التأبينية. تشتغل على ختان الأطفال والكسوة. تتدخل بطرق ملتوية لأجل التطبيب، وتسهيل مسالك أخذ أشعة طبية… هنا يتم الشد على اليد و الفكر الاجتماعي للمواطنين (بالكمشة العددية)، ومحاولة بناء جسور الوفاء والامتثال (والذي هو أصل من الحقوق الدستورية للمواطنين على الدولة/ حق المواطن في… ). هنا تلحظ مدى استغلال بؤس الناس، لأجل أهداف سياسية موسمية يفوق مدخولها المادي والمعنوي ما يمد من مساعدة (وووو…).
فيما أحزاب نظرية التنشيط السياسي (الصرصار)، فهي لا تحرك اليد إلا عند البهرجة الانتخابية، عندها تدخل تلك الأحزاب الساحة السياسية مزودة بالعطاءات، وكما يقول المواطن المغربي البسيط ” هاذي الانتخابات ما علينا لحكام ، كول واشرب واتبرع بالزرقة !!! “. وبعد كل انتخاب تُلوي أوراقها جمعا، ولا يُذكر لها أثرا في عصيدة الساحة الشعبية.
لنرجع بالافتراض الأولي : إن اكتسحت أحزاب (النملة الشغيلة) مقاعد البرلمان بالأغلبية العددية، ما هي مخارج تشكيلة حكومة المونديال القادمة (2030) ؟
هنا لا مناص من التذكير بأن هندسة العتبة القادمة ستقوم بالواجب من جهة توسيع حقينة الولوج إلى البرلمان لأكثر من نصف عدد الأحزاب المترشحة. قد تبقى حاضرة البلقنة الآتية بكل ألوان أطياف الأحزاب السياسة (الحل الأمثل للارضاءات الجزئية). هنا قد تقلم أظافر أحزاب (سيرة النملة الشغيلة) ديمقراطيا وبلا غبار بيًن يذكر. هنا أحزاب قوة النملة النشيطة ستحتاج لا محالة إلى الصرصار الذي ينبطح ويتمسح بالهرولة لتأمين الأغلبية المطلقة في تحالف هجين (بين الصرصار والنملة) !!! هنا تكون قصة ” النملة والصرصار” اليوم قد استوفت مدلولها بهرولة أحزاب الصرصار لبيت النملة لتأليف التحالفات الممكنة لحكومة المونديال (2030).
البعد الثالث الذي أغفله ترميز قصة ” النملة والصرصار” هو أبعاد دور المواطنين ضمن حوض سيناريو عقدة القصة. هنا نقر إجماعا أن المواطن البسيط هو أرنب السباق الانتخابي و(الكومبراس) الخلفي. فالمواطن هو العينة الضابطة لاحتساب القوت التمويلي للصندوق الزجاجي(عدد الأصوات المعبر عنها) . قوت لا مشكلة للنمل الشغال أن يتقاسمه مع الصرصار المنشط الطيع لكل التحالفات الهجينة التي لا نسق فكري لها، ولا بنية ايديولوجية لها !!! هي ذي حقيقة الخفية لما قد يقع من انتخابات (2026).
أعود إلى القول الفصل، و بدون مرموز قصة “النملة والصرصار” فنحن لا نبخس العمل السياسي المغربي، ولا نقلل من تنافسية الأحزاب السياسية الوطنية، ولا نقوم بالتمييع العدمي للحقل السياسي، بل هدفنا نقد الواقع البئيس الذي يتخبط فيه الفكر السياسي المغربي، فلا عينة النملة الشغالة ولا نشاط الصرصار قد يكون هو الحل الديمقراطي لأزمة السياسية الوطنية، فلن يقبل المواطن المغربي إلا بإصلاح ضمن حوض استمرارية الاستقرار، والتنمية المجالية والاجتماعية العادلة.
mohsineelak@gmail.com
تذكرة عودة: أرانب السباق السياسي نحو حكومة المونديال !!!
