BELADINEWS.MA
إبراهيم بن مدان
في ليلة من ليالي تونس الخضراء، ليلةٍ تسير على خطى التاريخ وتفوح من هوائها رائحة الاستقلال ونسيم المسيرة، اتّسعت القاعة كأنها صدر وطنين يتعانقان بمحبة لا تشبه إلا نفسها. كان ذلك الاحتفال من تنظيم النقابة المهنية المغربية لمبدعي الأغنية برئاسة النقيب محمد توفيق عمور، وجمعية الصداقة للجالية المغربية بتونس برئاسة السيد إبراهيم وبلا، فيما تولّى التنسيق والتنشيط الفنان المغربي ورئيس فرع النقابة بتونس، مصطفى الرحالي، الذي جعل الليل يتنفس فناً ويجعل الضيوف يتنقّلون بين اللحظات كما لو أنهم يسافرون في مركب من موسيقى.
افتتح عضو المكتب التنفيذي سعيد ودغيري حسني الأمسية بكلمة كانت أشبه ببابٍ من ضوء يستقبل الحضور ويستدعي من الذاكرة نبض الاستقلال وصدى المسيرة ومعنى الوطن حين يعبر المسافات ليصل إلى أبنائه أينما وجدوا. ثم ألقى القنصل العام للمملكة بتونس كلمة مقتضبة، قبل إعطاء الانطلاقة للفقرات الفنية.
أتحفت فرقة أنصار السلام الغيوانية الجمهور بباقة من الأغاني التي حملت رائحة الدرب القديم وإيقاعات الغيوان الأول، فازدادت القاعة دفئاً وتمايل الحضور على وقع الطبول كأن طرقات المغرب تستعيد أبناءه ولو لساعة.
وجاءت مشاركة الفنان المغربي قطب عبده، عضو المكتب التنفيذي للنقابة، كالنَفَس الأول للأغنية المغربية في تلك الليلة. افتتح بصوته أغنية “علي رايتك يا مغربي” فاشتعل الحماس وتلألأت العيون كأن رايةً من نور ترفرف فوق الرؤوس، ثم أهدى الحضور أغنيتين زادتا المكان بهجة.
بعده صعد الفنان أمين العاصمي، ودخل بصوته كما يدخل المطر برائحة المدن المغربية ونبرة الدروب القديمة. غنّى “يا بلادي عيشي” ثم رائعة عبد الحليم “موعود”، فذابت الجدران في لحنه واتسعت القاعة كأنها قلب أكبر من المكان.
ثم أطلت الفنانة التونسية زهور الشعري كنسمة تفتح باب الصباح، ورفعت صوتها قائلة: “تونسية أنا… وأحتفل بعيد المغاربة”، فتعالت التصفيقات واشتعل الفرح. بصوتها ارتجّت القاعة وانصتت الجدران بدهشة.
وبعدها جاء اللقاء المنتظر: دويتو بين الفنان المغربي المبدع أمين العاصمي والفنانة التونسية أميرة عامر؛ لقاءٌ عفوي يشبه طريقاً يمتد من الرباط إلى تونس، يلتقيان في نغمة واحدة فتذوب المسافات في المحبة ويولد لحنٌ لا يعرف حدوداً.
وفي ختام الليلة، عاد أمين العاصمي، نزولاً عند طلب الجمهور، ليضع اللمسة الأخيرة على صفحة هذا الاحتفاء. صدح بـ “نداء الحسن” بصوت يحمل جلال المناسبة ورونق الاستقلال وشموخ المسيرة الخضراء. فارتفعت الأعلام كفراشات من نور بين سماء تونس وقلب المغرب، ووقفت القلوب قبل الأجساد.
غادر الجميع وهم يحملون ذكرى ليلة تُروى ولا تنتهي؛ ليلة بُنيت على الفن وعاشت على دفء المحبة رغم قسوة الطقس، وبقيت شاهدة على أن المغرب وتونس قادران دائماً على الالتقاء في أغنية واحدة… وفي قلب واحد.





