بقلم عادل بن الحبيب
الخيانة كلمة مريرة، نقولها ونكررها على ألسنتنا ونحن نشعر بأثقال الألم والغدر والخذلان تحني ضلوعنا، وتمزق قلوبنا، وتذيب أحلامنا، وتشتت أرواحنا على قارعة الحزن والتيه والانكسار، لنشعر بفقدان الثقة التام في العالم ومن ثم في أنفسنا، وفي قدرتنا على تجاوز أسوار الخيانة الشائكة دون أن نفقد إنسانيتنا.
الخيانة بكل صورها لا تتجزأ، فهناك من ارتضى على نفسه ذل خيانة الأب والأم والأخ و الاخت والزوج و الزوجة والصديق و كل من هو مقرب ، وهناك من ارتضى على نفسه إثم وعار أكبر وهو خيانة الأمة والقضية والوطن و المواطن وخيانة الله، وقَسَم الحق والعدل والرحمة، الذي أقسم به وهو في بداية طريقه وحياته المهنية، ليمثل انتحارا لمبادئ الحق والعدل والإنسانية بل والكرامة.
فهناك من يخون كلام الله وهو يقرأه ويعلمه للآخرين، وهناك من يخون آيات العدل ولسان الحق والمفترض أنه ناطقه، وهناك من يخون قسم مراعاة المرضى ويحول أجسادهم المنهكة إلى تجارة دنيئة في السر والعلن، وهناك من يخون صراخ المريض الذي يحتاج إلى دواء له مفعول يريحه من الألم ولو لبضع لحظات، وهناك من يخون أحلام البسطاء في العيش في بيوت أدمية لتتساقط عليهم دون رحمة، وهناك من يبيع الموت البطيء في الطعام والشراب، و هناك من يبيع الوهم للشباب ، وهناك من يخون المواطن و يعبث باحلامه و يحولها الى كوابيس ، وهناك من يخون أمن وسلامة الوطن و هناك من يخون العلم و طلبة العلم ، وهناك من يخون قلمه و افكاره ،و هناك خيانة المثقف لرسالته الأساسية، في البحث عن الحقيقة وإدراكها وكشفها ونشرها، والدفاع عن القيم النبيلة ،وكلها صور بشعة للخيانة تندرج تحت لواء الموت الطازج للضمير والإنسانية.
ليس هناك مبرر للخيانة ،ليس هناك مبرر لتطعن و تخون أشخاص ذنبهم الوحيد انهم وثقوا بك و كافحوا معك و اعطوك أجمل سنين عمرهم و كانوا معك في السراء و الضراء . ليس هناك مبرر لتخون المسؤولية التي حلفت اليمين أن تحملها بصدق و أمانة، ليس هناك مبرر لتخون الوطن و احلام المواطنين الذين وضعوا ثقتهم فيك و حملوك مسؤلية تدبير شأنهم .
يقول الكاتب صلاح خلف “أخشى ما أخشاه أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه الخيانة وجهة نظر”!!، وبالفعل قد أصبحت الخيانة في مجتمعاتنا كلمة مبررة ومستساغة ووجهة نظر أيضاً، يستميت الملايين من أجل الدفاع عنها بالباطل وهو يعلمون، من أجل مصالحهم الشخصية التي تقيد حناجرهم، بل وتسوقهم كالعبيد في طاحونة الهوى والسلطة والمال .
لتتحول “الأمانة” إلى مجرد شعار ماسخ يتغنى به الراقصون على الدماء، برداء الوطنية المهترئ على شاشات التلفاز، وحلقات النقاش والجدال عديمة النفع، وكراسي القاعات المنتفخة بملء الكذب والنفاق والرياء، لتصبح أرواح البشر التي كرمها الله عز وجل شأنه، ومنحها من نعمه وفضله ما لا يعد ولا يحصى لتحيا حياة آدمية كريمة سوية، مجرد ثمن بخس وتجارة دنيئة، حصادها شوك وحسك مر كالعلقم.
يقول الكاتب غسان كنفاني “إن الخيانة في حد ذاتها ميتة حقيرة”، وأنا بالفعل لا أجد ميتة حقيرة أكثر من الخيانة، حتى وإن ظل صاحبها على قيد الحياة لسنين.
ولكن رغما عن أنين الخيانة المستطير، ستظل قضية الوطن والعدالة خالدة، وستبقى حكايا المظلومين إلى يوم الدين شاهدة،
ويبقى السؤال.. أين المفر لكم؟! حينما يتم النفخ في الصور، ويفنى كل من على الأرض لتصبح خاوية على عروشها، أين المفر لكم حينما يقول رب العزة والجلالة، أين أنتم أيها الخونة الظالمون؟