محسن الأكرمين.
وأنا أمرُّ بمحاذاة صهريج سواني والذي أفرغ من مياهه، والجاري تنقيته من الرواسب لأجل التثمين وإعادة التوظيف. أثار انتباهي تمثال “الڭراب” فتوقفت عنده بالتأمل. “الڭراب” الذي سلب من إكسواراته التي تؤثث مشهده الاعتيادي في المخيلة المكناسية. ما أثارني بالحرقة المريرة، جُرْأة قوم يتنفسون هواء المدينة حين أرادوا زحزحته وسرقته بالتمام !!! حين، تقف محاذيا لتمثال”الڭراب” النحاسي تحس حزنه من الابتسامة، وهو مطأطأ الرأس. قلت حينها: لا عليك أيها “الڭراب” فالفصل فصل صيف، والرزق قد يضيق عموما مع شدة الغلاء والكفاف، ولا أحد يريد شربة ماء باردة (أمان أمالو) والماء لحلو قد انقطع عن صهريج سواني، وقد نقف بعد تأهيله، كيف نعيد الماء لحوضه؟!!! لكن تذكرت أن مقولة (لي باغي يتصاحب مع “الڭراب” يجب أن يتصاحب معه شتاء).
“الڭراب” الحزين بمكناس يمد يده متوسلا إلينا بالرحمة تجاه المدينة. ملمح “الڭراب” يوازي حزن مدينة وساكنة على تسطيح سلم التنمية. سألته: ما الذي تريده، ونريده من مدينة السلاطين؟ بعد إتمام هذا السؤال (المستهلك) والماكر. أحسست بحق، بأن هذا السؤال بات يحمل أجوبة الغباء، أو البحث العبثي عن طائر (البط) النافق في حوض الصهريج. لكن “الڭراب” كان أشدَّ ذكاءً، حين كانت إجابته مستوفية لرؤى التغيير المتوقفة “ما أبتغيه من مكناس! لا بُدَّ أن نفكر بالوسيلة التي تؤدي إلى غاية التنمية التكاملية. لا بد من استقراء واقع المدينة بالتشخيص بلا معيارية تنظيرية مفرطة. لا بد من صياغة النهي عن استصدار أحكام جزافية، ذات حمولة قاتلة لحلم مكناس المستقبلي. لا بد من اكتشاف تقنيات تواصلية فعالة تحاور الأعطاب بلا (زيادة في حكها وفركها).
حينها أحسست أن السيد “الڭراب” يمتلك حلولا قد تفوق علم علماء السياسة الجدد بالمدينة. اكتشفت أنه يبتكر إبداع التنمية التفاعلية، لا التباكي عمَّا حدث بالماضي (كانت مكناس) أو (كان أبوك رجلا صالحا). لحظتها سألته: كيف نحقق هذه القفزة النوعية للتنمية بمكناس؟ لأول مرة أقف عند تمثال من نحاس خالص يهز رأسه عن ظله الضيق، وعن قدمه المنتعلة نعلا عاريا، وقال: إنه طموح جماعي، وعقد اجتماعي بين الساكنة ومدبريها بالمساءلة والمحاسبة. طموح يستحث كل مكونات المدينة في الشروع على خلق ولادة جديدة للعلاقات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية. قال وهو ينظر إلى متسع قصر(المحنشة )الملكي: نبتغي عودة مدينة السلاطين نحو الحاضر، مدينة اجتماعية إنسانية بكل المقاييس.
حقيقة أقحمني فهما تمثال مكناس السيد “الڭراب”، حين عاد إلى وضعيته النائمة بعيون متسلطة على نعله وظله. أقحمني بلا تفكير حين قال: ماذا تنتظرون يا أهل بمكناس، الدولة اعترفت بنفوق النموذج التنموي القديم حين خلق الثروة ولم يستطع توزيعها بحسن تفاضلات الطبقات الاجتماعية. الدولة فكرت في نموذج تنموي بمعيار الرفاهية للجميع. فلما لا نقول للدولة وبالصوت المسموع: (مكناس باغيا حقها من المال العام) !!! وأنا أبتعد عن السيد “الڭراب” ترجلا. كنت حينها أفكر في أدوار مجلس جماعة مكناس الجديد، باعتباراته السياسية لا التقنية. كنت أردد عقوبة للمرة الألف مثل ما كنا ونحن صغار بالمدرسة العمومية ” مكناس باغية حقها”.