آخر الأخبار

الصحراء المغربية: قضية وجود وهوية وليست نزاعاً إقليمياً

[بلادي نيوز.ma5 نوفمبر 2025
الصحراء المغربية: قضية وجود وهوية وليست نزاعاً إقليمياً

BELADINEWS.MA

قضية الصحراء ليست مجرد نزاع إقليمي، كما يروج لها، بل هي قضية وجودية سيادية، وهي قضية هوية أمة وشعب عريق ومتجذر نقش كينونته في مجال جغرافي فريد، صهر كل مكوناته التضاريسية والمورفولوجية، لينتج جغرافية بشرية وثقافية وحضارية وسياسية متعددة ضمن صيغة وحدوية تاريخية متفردة شكلت عبر قرون من الزمن ما يسمي اليوم بالمغرب الوطن والشعب والدولة.
حتى أنه يصعب على ذوي الاختصاص الفصل بين المكونات الثلاثة السالفة الذكر، لأن الحدود الفاصلة فيما بينها متداخلة ومترابطة إلى حد التماهي، الذي يفرض عليك أخد المغرب ككل غير قابل للتجزيئ، بحيث إذا فصلت إحدى مكوناته تكون النتيجة شيء آخر مختلف ومخالف ومناقض لشكل ومضمون المغرب.
ففي المغرب يمتزج الإنسان بالأرض ليشكلا وحدة وجودية، فالفرد والجماعة والتراب/ الأرض صيغة تركيبية وجدانية ومادية في سيرورة لا تنقطع كيفما كانت نوعية وقوة التحديات والصراعات والتناقضات الذاتية والموضوعة.
إن قوة الشعب المغربي، بكل مكوناته الثقافية والإثنية وصراعاته أحيانا، تكمن في تلك الطاقة اللامادية المتدفقة في كيانه الداخلي العميق، والتي تنفجر بشكل تلقائي كلما كان السياق التاريخي للأحداث يفرض ذلك، هذه الطاقة المتدفقة هي سر صمود المغرب في مواجهة الكل.
إن عدالة وشرعية ومشروعية قضية الصحراء المغربية، هو المصدر الذى لا ينضب لتلك الطاقة المتدفقة، والتي لم ولن تتأثر بطبيعة وحدة الصراع الاجتماعي والسياسي، واختلاف التيارات والمرجعيات الفكرية والإيديولوجية التي تشكل النسيج السياسي المغربي. فرغم القمع الممنهج خلال سنوات الجمر والرصاص، كانت القضية الوطنية تحظى بشبه إجماع القوى الوطنية بمختلف تلاوينها.
هذا الإجماع الذي يستمد مشروعيته من طبيعة قضية الصحراء المغربية التي كانت عبر مسارها التاريخي عمقا استراتيجيا لجمع ولم شمل المغرب، بمعنى أن الصحراء هي القاعدة والمنطلق لتوحيد المغرب وإعادة بناء قوته لصد أطماع القوى الإقليمية من جهة الشرق والشمال، وهي الأساس الذي مكن المغرب من الحفاظ على وحدته السياسية والثقافية والحضارية والجغرافية.
فالمغاربة بتعددهم في إطار وحدتهم، هم من صنعوا المغرب الذي سبق وجوده وجود مستعمريه، عكس جيرانه الإقليميين الذين هم نتيجة ولادة قيصرية غير طبيعية من تأليف وإخراج الاستعمار الذي يدرك جيدا حق المغرب في أقاليمه الصحراوية.
هكذا خاض المغرب عشرين سنة من النضال الديبلوماسي في سياق دولي يتميز بأوج الصراع شرق غرب من خلال الحرب الباردة والاصطفافات العقائدية والأيديولوجية، من أجل تصفية الاستعمار الاسباني، لتنطلق رحلة الخمسون عاما من الكفاح الوطني المسلح والدبلوماسي الرسمي والشعبي والترافع من داخل الأروقة المظلمة للمؤسسات الدولية الرسمية وغير الرسمية وفي طليعتها الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية وكلاهما يكيلان ما يعرض عليهما من منطلق ميزان القوى متنكرين للتاريخ والجغرافية وحقائقهما وحججهما الدامغة التي تؤكد عدالة قضية وحق المغرب في صحرائه.
حيث كابد الشعب المغربي كل المؤامرات والدسائس الإقليمية والدولية، وقاوم قساوة الظروف وعبأ الفاتورة المادية المنهكة والمستنزفة لإمكانياته المتواضعة.
إن قوة المغرب التاريخية تتجلى في قدرته الساحرة على تأجيل كل الصراعات الداخلية كلما كان هناك تهديد خارجي يستهدف وحدته الترابية، تجربة تاريخية عاشها المغرب على مر العصور من الممالك المورية مرورا بثورة ميسرة المطغري إلى أنوال وبوكافر والدشيرة وكاريان سنطرال إلى المسيرة الخضراء، سلسلة من الثورات عنوانها صيانة حوزة هذا الوطن والتصدي للمس بوحدة بنيانه وسيادته على تقرير مصيره.
رحلة ومعركة الخمسين عاما بما لها وما عليها تعكس مدى صلابة وصمود الشعب المغربي وإيمانه الراسخ بقضيته، وقدرته الخلاقة على مجارات وتدبير الأحداث والأزمات والتعامل بحنكة وتعقل مع كل الظروف وعدم الاستسلام لليأس والصبر والتجلد في تلقي الضربات من مختلف الجهات والنواحي.
شاقا طريقه نحو تلك اللحظة التاريخية في يوم ليس كباقي الأيام وفى حضرة مجلس ليس كباقي المجالس، شاءت الأقدار أن يعلن ذلك الديبلوماسي الروسي – الذي كان أسلافه من أشد وأشرس أعداء الوحدة الترابية للمغرب – في حضرة مجلس يتربع على سدة كل المجالس ليقر أخيرا وليعترف بحق الشعب المغربي في صحرائه من خلال قرار أممي غير مسبوق يَجُبُ ما قبله، لينصف بذلك التاريخ والجغرافية، ويؤكد أنه ما ضاع حق من ورائه طالب.
31 أكتوبر 2025 هو ثمرة تضحيات جسام لكل مكونات الشعب المغربي طيلة خمسين سنة، وهو تتويج لعمل خلاق لديبلوماسية استطاعت رفع التحدي عن جدارة واستحقاق. ديبلوماسية انتقلت من موقع الدفاع وتدبير الأزمات إلى ديبلوماسية هجومية تستند إلى رؤية واضحة وثاقبة تحدد مكامن الضعف والقوة وتعتمد منهجية الاستهداف الديبلوماسي بكل ثقة وايمان بعدالة ومشروعية قضيتها. ديبلوماسية ندية أعادت الاعتبار لذاتها ومؤهلاتها تتعامل بمنطق حازم وصارم ينطلق من كون المعيار الوحيد للتعامل مع المغرب في قضاياه الحيوية وعلاقاته وشراكاته الدولية هو مبدأ احترام سيادته على كل أراضيه.
هذه الديبلوماسية التي قطعت بشكل جدري مع سياسة الكرسي الفارغ، وفرضت منهجيتها وإيقاعها داخل أروقة المؤسسات الدولية، بفضل هذا التوجه وهذه الرؤية السديدة تمكن المغرب أن يصل إلى ذلك اليوم المشهود، يوم الفتح المبين.
من توقيع
الأستاذ يوسف مكوري

الاخبار العاجلة