عبد الصمد ادنيدن
في إطار الحملة الشعبية المشروعة للمطالبة بخفض أسعار المحروقات، على مواقع التواصل الاجتماعي، خرجت علينا أقلام ومقالات تكتب تحت الطلب، تدافع عن رئيس الحكومة ضدا في إرادة أغلب المغاربة وعلى حساب المواطن الضعيف، ولم تحترم على الأقل الحياد كأضعف الإيمان، ومما جاء في أحدها الذي لا يعرف أي جنس صحفي يمكن تصنيفه فيه، أن “خفض أسعار النفط في محطة الوقود لا يمكن أن يكون فوريا، بل ينبغي بيع المخزون الذي سبق شراءه بسعر أعلى، وبالإضافة إلى ذلك، يجب التمييز بين سعر البرميل الخام وسعر النفط المكرر، ومن جهة أخرى، تبقى أسعار المحروقات في المغرب خاضعة للسوق”.
وبالعودة إلى هذه النقطة من بين عشرة التي طرحها “المقال”، بالفعل، فإن الأسعار لا يمكن أن تنعكس فوريا لأن التسليم يتم على الأقل ب15 يوما، وليس 60 يوما كما قال “مهندس المقال”، لأننا أساسا لا نمتلك مخزونا استراتيجيا كي نتحدث عن التسليم بعد 60 يوما، وبالتالي فالكلام على أن أثر الأسعار لا يمكن أن يظهر إلا بعد شهرين كلام مردود على صاحبه، لأنه على الأقل يجب أن تظهر الانخفاضات التي كانت سابقا في حدود 15 إلى 20 يوم -هذا هو المخزون الاستراتيجي الذي نمتلك ولا نمتلك أكبر منه-.
للأسف المقال غير الموقع والذي نشر بشكل غير مفهوم على واجهة وكالة الأنباء الرسمية (المغرب العربي للأنباء)، جاء في النقطتين الثالثة والسادسة منه أن “ستون بالمائة من سعر البنزين في محطة الوقود يتشكل من الضرائب: (الضريبة على القيمة المضافة والضريبة الداخلية على الاستهلاك)، هاتان الضريبتان تمونان صندوق المقاصة الذي يخفّض أسعار غاز البوتان، والسكر والحبوب، وأي تعديل في هذه الضرائب من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار هذه المواد، وسيكون له بالتالي انعكاس مباشر على القدرة الشرائية للمغاربة” وأن “هوامش شركات المحروقات معروفة، وهي محددة بشكل دقيق في حصيلة هذه الشركات. وحسب وزارة الاقتصاد والمالية، إذا كانت هناك أرباح مهمة جدا أو هوامش مبالغ فيها، تعزى لهذه الزيادة العالمية في الأسعار، وتقوم الزيادة في الضرائب بدورها. حيث يمكن أن ترتفع الضريبة على هذه الشركات بشكل استثنائي طبقا للقانون إلى نسبة 45 بالمائة أو 50 بالمائة في إطار التضامن الوطني”.
والمتأمل في هاتين النقطتين اللتين تحملان في طياتهما ترهيبا أكثر مما هو توضيح، حيث أنهما بعيدتين كل البعد عن كونهما توضيحا لما تحملانه من مغالطات، يمكن لأي مواطن متتبع لما يجري كشف تهافتهما، حيث نعلم أن الأسعار تتشكل في بنيتها من مجموعة من المؤشرات، والهامش الكبير الموجود حاليا لا يمكن أن ينسب للضرائب، لأنها لا تشكل إلا 30 في المائة، والرقم “50 في المائة” الذي يتم تسويقه كلام مجانب للصواب، يوجد في دول أخرى وليس في المغرب، الذي لا تتعدى فيه نسبة الضرائب 30% من بنية السعر في سوق المحروقات؛ إضافة إلى أن ارتفاع المحروقات يمكن أن نفهم أنه يعود لارتفاع كلفة التكرير لأننا نشتري النفط المكرر ولا نشتري النفط الخام وهذا صحيح.
لكن، نتساءل ما الذي قامت به الحكومة لتحل مشكل محطة “لاسمير” الذي ينادي الخبراء والمختصين بحله منذ أشهر؟
لماذا تم رفض مقترح الكونفدرالية بمجلس المستشارين الذي طالب بإعادة تشغيلها كي تنخفض كلفة التكرير؟ على أساس أن جميع الدول بها محطات تكرير تساهم في تخفيض الثمن، إذ يمكن للثمن أن ينخفض بدرهمين تقريبا مقارنة مع اقتنائه مكررا، لأن ثمن التكرير كان 70 سنتيم في اللتر والآن أصبح أكثر من 3 دراهم..
هذا الفارق الكبير يدفعه المواطن بينما هوامش ربح الشركات تظل على حالها، رغم أنها يمكن أن تخفض أربحاها لكنها تقوم برفعها في ظل غياب تنافسية داخل السوق بحكم أن الأثمنة تظل جد متقاربة بين الشركات والمحطات ما يؤشر على غياب التنافسية، بل قد نقول إن هناك تواطؤا مباشر بين الشركات على حساب الوطن والمواطن.
هذا المقال الذي هندسته إحدى شركات التواصل والعلاقات العامة الكبرى بالمغرب، والمتورطة في عدد من القضايا الأخلاقية، جاء في نقطته الرابعة: “على مستوى سوق المحروقات، فإن شركة إفريقيا، التي يتم ربطها مباشرة برئيس الحكومة، فإنها تمثل بالكاد 20 في المائة من السوق. أما الباقي فيتوزع بين طوطال وشيل وشركات أجنبية وشركات أخرى”، وهو (أي ما ورد في هذه النقطة) ما يتنافى بشكل كلي وقاطع مع النسبة التي تكشف عنها شركة أفريقيا نفسها على موقعها الرسمي والمتمثلة في 39 في المائة من حصة السوق -رغم أن الواقع يثبت أنها أكثر من ذلك-.
أخيرا وحتى لا نعيد كشف تهافت معطيات المقال المعلوم الذي كتب تحت الطلب حيث اطلع الجميع على الجهل المركب لصاحبه ومن خلفه، وزادت الوضع تأجيجا لتشكيكها في وطنية المغاربة، وترهيبهم، فإن الكلام الذي اعتبر كل زيادة في النفط توجه مباشرة إلى الفاعلين في قطاع المحروقات هو “محض كذب”، فإنه عكس ذلك، حيث إن كل زيادة هي بالفعل لصالح الشركات في سياق الممارسات غير التنافسية التي سبق للشركات أن قامت بها، وبالتالي فهذه الشكوك ليست محض خيال بل تغذيها الشكوك التي أثارتها موجة المقاطعة وكيف أن الشركات استفادت من 17 مليار درهم من الأرباح خارج التنافس الحقيقي لما كان هناك انخفاض الأسعار، ثم الكلام الذي يشير إلى أن “أرباح الشركات معروفة”، فهو أيضا مجانب للصواب، فهي غير معروفة إطلاقا باستثناء شركة طوطال الوحيدة التي تنشر أرباحها بحكم أن القانون يلزمها بذلك، باعتبار أنها مدرجة في بورصة القيم، أما الشركات الاخرى فلا نعرف نسبة أرباحها…
كما نذكر صاحب المقال أن ما قيل بشأن أن هذه الشركات تؤدي الضريبة، فنحن هنا لا نناقش واجباتها المالية تجاه الدولة، نحن نتحدث عن القدرة الشرائية للمواطن، فهي تأخذ من المواطن بطريقة غير قانونية وتعطي ضريبة 45% -إن افترضنا أنها تصل إلى هذا القدر- للدولة (كواجب)، هنا يمكن أن نتحدث عن تواطؤ خفي بين السلطة والمال، وكأن السلطة توافق على الزيادات الفاحشة مقابل الضرائب، وكأن لسان الحكومة يقول “افعلي ما تشائين تجاه المواطنين فالأهم عندنا هو أداء أقساط الضرائب”؛ وهنا نتحدث عن زواج السلطة بالمال وهذا مخالف لمبادئ الديمقراطية الحقيقية في ظل غياب دور مجلس المنافسة الغارق في سبات صيفي غير مبرر إلى حد الآن.
إن الطابع الشخصي الذي تحدث عنه المقال، فهو يبرز بالتأكيد أنه كتب تحت الطلب في إطار التخفيف على رئيس الحكومة الذي تأكد فعلا (الطابع الشخصي) عوض أن يتم نفيه، لأنه عندما تحدثت وزيرة الطاقة وقالت إنه لا حاجة لنا “بمصفاة لاسامير” فقد تم تصريحها تحت ضغط بين من رئيسها المباشر -نقصد رئيس الحكومة-، وكان ذلك قد تسرب في لقاء لها في اجتماع بحزبها يظهر أن “رئيس الحكومة يحثها على أن تحافظ على مصالحه الاقتصادية، مقابل بقائها في منصبها، والاستفادة طبعا من المصالح المتبادلة”.
نوجه عناية مهندس المقال، ومعه الحكومة الموقرة، الى ضرورة الوعي بأن مسألة المطالبة الشعبية يخفض الأسعار على مواقع التواصل الاجتماعي، لا تحمل بعدا شخصيا لرئيس الحكومة كما تروج الحاشية، فلو كانت حملة شخصية لشملت مجموعة من القطاعات، لكنها همت هذا القطاع بالتحديد وهو يتحكم فيه رئيس الحكومة بنسبة تصل إلى 39%، والتي يحاولون تكذيبها وتخفيضها إلى 20 في المائة -يكذبون أنفسهم-، بالتالي هي ليست حملة شخصية بل حملة على شخص أخل بواجباته كرئيس للحكومة وانحاز لمصالحه الاقتصادية.
أما مسألة الحسابات الوهمية، وإن افترضنا أن هذه الحملة حركها 500 حساب وهمي الذي تحدث عنهم مهندس المقال، فالزخم الذي بلغته الحملة يوضح أن 500 حساب لا يمكن أن تصل لـ3 مليون وسم. وبالتالي حتى وإن كان المحرك وهميا فالتفاعل الشعبي معه يؤكد أنها حسابات حقيقية وأن المواطنين المغاربة هم الذين يقومون بهذه الحملة ضد رئيس الحكومة، بحكم أنه فاعل اقتصادي وفيصل في قضية المحروقات؛ فهل تعود الحكومة إلى رشدها وصوابها وتبتعد عن مهندسي الخرجات المفضوحة، وعن سياسة اللامبالاة، أم ستواصل في نفس المسار وبنفس التبريرات التي أضحت لا تقنع أحدا؛ وحجم السخرية والتنكيت على مواقع التواصل الاجتماعي خير دليل، لذا نقول إن المقال المفضوح كان ينبغي أن يحمل تبريرات معقولة ومنطقية عوض أن يتضمن أكاذيب وتزييفات ساذجة، لا تنطلي إلا على صاحبه، وكأن صاحبنا تنطبق عليه حكمة العرب قديما مع بعض التعديل: “سكت دهرا ونطق كذبا”.
ضمن عدد غد الإثنين 25 يوليوز 2022 من جريدة بيان اليوم