BELADINEWS.MA
محسن الأكرمين.
حتى وإن كنا نحمل عدة تجارب تراكمية رصينة، وتتأسس فعلا على منطق العقلانية والتخطيط بجدوى الرؤية، فإننا نبقى دائما نعيش في مساحات متعددة من العمر الزمني غير المتوازن واللامنتظم بالترددات غير الموثوقة. من هنا قد تحدث الازدواجية غير المألوفة، حين يحدث الاتفاق تحت الطاولة بين عيش الوهم وتمريره، وبين تجارب الخطأ والسكوت عنها. وبهذا فقد تهتز ثقة الفرد في أدائه ومهامه مع جل أجزاء هذه التشكيلة، وفي علاقات غير ناضجة مع الآخر السياسي والسجالي.
اليوم، لا نبحث عن مساحات فسيحة لفضح السيرة الذاتية والمسكوت عندها لكل واحد منَّا ولغيرنا. اليوم لن نُمارس نرجسية الاستهتار البئيس، وممارسة سلطة التعرية بالتبرج المفضوح لذواتنا وحتى الآخر، لأننا عندها قد نسقط في عمق حفرة تلميع التفاهة والبلاهة (الأنا) و(الآخر) والإدلاء بمعلومات مغلوطة تماما، وذلك لتكسية الوهم بالتسطيح، وتلميع الخطأ بالعشب الاصطناعي، وهذا قد يكون فيه نوع من تحريف الواقع بالوهم نحو فبركة الأحداث والمواقع الفاتنة بالزيف والسراب.
طبعا بهذا قد يستند تزييف الحقائق وتكميم المسكوت عنه طمعا في معاودة إصلاح الذوات والأحداث، والبحث عن صكوك الغفران بالتلميع والهرولة نحو سياسة التمسح. من تم، قد يُهدد هذا المسار المنحرف الحاضر وحتى المستقبل في شتى المجالات المهنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
فحين نمتنع عن تزييف أنظمة حياتنا سواء الذاتية أو الجماعية، فإننا قد نسقط لزاما في معاكسة التيار المهرول نحو البطولات الخالدة والأسطورية، والتمسح عند أعتاب الشرفاء والأضرحة السياسية، وقد تكون الرماح الجارحة من محاربي النقد والانتقاد أشد مَضادَّة !!! هي ذي المفارقة العجيبة التي يكون فيها الانتصار صادقا من القلب والطموح، ويحمل أنظمة مناعة آتية من الدين والأخلاق والقيم الكونية، بينما في الحياة اليومية الدؤوبة قد تتشكل عقبات أخرى مميتة وشاقة، ونحن نقاوم التيار على ننشر مشاعر الصدق والقيم. من صدق الحقيقة أن الانتصار لن يكون دائما للأقوى، بل بالطبع قد نربح المعركة وقد لا نخسر الحرب بنهايتها.
من رؤى الإرباك الأكيد، أن تتقوى أنانية ذواتنا برمزية الانتصار بالقوة، ومُعاودة بناء القبة الذهبية المحصنة من كل المناوشات غير البريئة، لكن من ضعف عواطفنا بالخوف أننا لا نريد دوس نظام التشغيل والعمل على تشتيت منظومة الأخلاق والقيم المتماسكة بالمرجعيات الدالة والسديدة، والتي تجعلنا دائما نتكتل ضمن الحوض الاجتماعي المنيع بالسلامة، ونتعايش ضمن مفاهيم الإنسانية والوجودية الأرضية.
مرات عديدة نعمل على نشر رُزم من نكبات الآخرين ضمن رؤية الأنانية المؤثرة في الحوض الاجتماعي (التفاهة والبلاهة السياسية)، ولكنا حينها نكون نلهو بالنار، ونُقيم مع ذوي الأعراف وقوفا، ولا نمثل إلا تلك الطواحين الهوائية التي لا تنتج طاقة سميكة من الرزانة.
فالحقيقة الطيعة، قد تكون في معارضة الوهم، ومحاولات السطو على بعض أجزاء الخطأ بالمعالجة والتصويب، من حيث الدلالات الرمزية والتشوير العام، وهذا ما هو إلا نوع من رؤية الحكامة والضبط المعرفي والقيمي، و معاودة مسايرة الطفرة النوعية من القيم (الجديدة) في سلاسة كسب رهانات التحولات الاجتماعية غير الصدامية.
من تم فاختيارات التحدي واليقظة، فيه نوع من احتفاليات النجاح ولو بالتصفيق، ومعالجة فجوات نكسة السقطة (الوهم والخطأ) بالتصويبات والضبط الممكن. ومن الأكيد في المفاضلة، أن التَّطبع بروح الاستمرارية ضمن النسق الاجتماعي البنيوي، والذي يتأسس على كسب عقود متجددة من تحولات منظومة القيم والأخلاق والقانون، وفي هذا فضل لبناء استقرار النفس والعلائق في إطار أفعال مواكبة الخير والعدل والمساواة والإنصاف، بدلا من الانزلاق الذي قد لا يكون أحد منَّا جاهزا على الحد من تسرباته المميتة، و لو تحت ذرائع ومسوغات بليدة من مقاصد السياسية الربحية والوصولية.
ومن تحصيل البديهيات، أن سوء الافتراضات بالبدايات وغياب الوعي بالمؤشرات الحصينة والعقلانية تجعلنا نغادر تمركزاتنا على الدوام بالترحال (السياسي/ الرأي/ التموقعات…)، وبتراجع كثيف من ذات الملاحظات الاولى بصناعة الولاءات، و من ذات الأسس السلبية نحو العوم في مستنقع البطولات الوهمية والسجالية التي تسمن تغذية. من تم قد نصطدم بأنا لا يفرحنا الفرح ولا حتى الوجع، بل قد نبيت نتصيد الأخطاء المندسة واقتفاء الوهم المنخور بين الأنا ونحن والآخر.





