BELADINEWS.MA
بقلم : محمد الهرد
لم يكن تنظيم المغرب لنهائيات كأس إفريقيا مجرد حدث رياضي عابر، بل تحوّل إلى مرآة كاشفة لواقع إقليمي يسير بسرعتين مختلفتين. واقعٌ فرض نفسه بقوة الصورة، وشهادة الجماهير، ودهشة المتابعين قبل المسؤولين.
فقد تداولت منصات التواصل الاجتماعي، خلال الأيام الأخيرة، مشاهد موثقة بالصوت والصورة لمشجعين جزائريين حلّوا بالمغرب لمساندة منتخبهم الوطني، وهم يوثقون—بعفوية وصدق—ما بلغته المملكة من تطور لافت في البنيات التحتية: ملاعب بمعايير عالمية، شبكات طرق حديثة، فنادق مصنفة من أرقى ما يوجد على المستوى الدولي، وتنظيم محكم، بالاضافة الى شبكة نقل سككي وطرقي حديثة ومتطورة… يعكس خبرة متراكمة ورؤية استراتيجية واضحة للمغرب تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس.
هذه المشاهد، التي خرجت من قلب الواقع لا من عدسات الدعاية، أحدثت—حسب مصادر إعلامية مطلعة—حالة من الاستنفار والذهول داخل دوائر القرار في الجزائر، مدنية كانت أم عسكرية، كما امتد القلق إلى تونس، الحليف التقليدي للجزائر، في ظل مخاوف من اتساع الفجوة التنموية بين دول المنطقة.
لقد بدا جليًا أن دول المغرب العربي، أو ما يُصطلح عليه بدول حوض البحر الأبيض المتوسط، لم تعد تسير على الإيقاع نفسه. فبينما اختار المغرب مسار البناء الهادئ، والاستثمار في المستقبل، والدخول بثقة في تحدي تشييد ملاعب وبنيات رياضية وفق أعلى المعايير الدولية، ما تزال دول أخرى أسيرة حسابات سياسية ضيقة، وصراعات تستهلك الزمن والفرص.
النهضة الجديدة التي يحققها المغرب اليوم لم تأتِ صدفة، ولم تكن وليدة ظرف طارئ، بل هي ثمرة رؤية ملكية بعيدة المدى، وخيارات استراتيجية جعلت من الرياضة، والسياحة، والبنية التحتية، رافعات حقيقية للتنمية الشاملة ولتعزيز صورة البلاد دوليًا.
والمفارقة أن أكثر ما أربك خصوم المغرب لم يكن خطابًا رسميًا ولا بلاغًا حكوميًا، بل مشاهد بسيطة التقطها مشجعون، نقلت حقيقة يصعب إنكارها: مغربٌ يتقدم بثبات، ويكسب الرهان، بينما لا يزال آخرون يراوحون المكان، يراقبون من بعيد، ويحسبون الخسائر.
إنها بطولة كرة قدم، نعم… لكنها أيضًا بطولة كشفت من يبني المستقبل، ومن يكتفي بمقاومته.





