Beladinews.ma
محسن الأكرمين.
حين تتفاقم الأزمة الذاتية، قد يفر المرء من حياته فبالأحرى من محيطه الاجتماعي. اليوم أراه يَفِرُّ من انفجار أزمة لواحق ومن داخل الباب الأمامي، ويأبى ألاَّ يستدير رؤية ثانوية حتى لا تصيبه شظايا اللعنة الآتية من الأطلال المكهربة. فالهروب نحو الأمام وبلا وداع قد يكون راحة، واطمئنانا على تجديد خطى البحث عن المسارات الجديدة. هروب يبدو حل من حلول كل المشكلات، والتي تبقى على الدوام من جيل الجُبن الذاتي، والتخوف من المخاطر، ومن مواجهة قضايا الحياة حتى العبثية منها .
لا يستحق الفرار أن يكون غير جزء نادر من فلسفة العدمية القديمة، ومن الصراع الأزلي مع الذات، والبحث عن المعنى الحقيقي للحياة. بينما فوضى المتناقضات هي التي أفسدت عنده قيمة الحياة المفلسة بلعبة العبثية. اليوم يسير بلا توقف يسترجع فيه بعضا من أنفاسه المتقطعة، فقد أعياه التفكير في تراكمات سلبيات حياته الماضية، وتلك المتاهات التي لا تنفتح بتاتا بالحلول وبالتوجيه عبر علامات تشوير قارة. يستمر في الهرولة نحو البحث عن جيل جديد من القيم الرزينة، والتي بالطبع أضاعها وتسربت من بين أصابع يديه.
يقطع المسافات تلو المسافة وبدون إحساس بعياء المشي، وذلك راجع بأنه لا يستدير خلفه نحو الماضي الذي أعياه من فرط مآسيه المتفاقمة بالكثرة. يستمد طاقته النفسية من حلم يوم سعده المزهر، ومن قيمة مغامرة البحث عن ذاك المستقبل الغابر لديه. اليوم لا يريد أن يكون منجما ولا قارئ فنجان، بل يرغب في تحقيق ذاته بالتكامل، وباستجماع إمكانياته المحدودة في الزمان والمكان.
كان يرغب في فرحة لحظة من بعض الانجازات الحقيقية التي تشده بالفرجة. بالطبع كان يريد العبور نحو الحياة فقط، وبراحة مزدوجة تتمثل في العيش الاجتماعي السليم لا العبثي الذي فتك بمكونات حياته السابقة. كان الفشل عنده لا يترك له التلاعب بالمبررات والمسوغات التي ترميه خارج ذات تفكير الصندوق ونحو المتمنيات المؤجلة. كان يؤمن بأن النجاح جزء حل من نهاية الفشل، كما أنه يبيت جزء من المشكلات المستجدة.
كان وقوده في الهروب، طاقة نووية لا حدود لنفاذها بالمرة. تتكاثر في تفكيره إكراهات الفشل التي يحملها مثل كرة الثلج التي تكبر مع مشيه، لكنه بدا يحمل طموح القطيعة مع الماضي، ويتأبط بيانات طموح النجاح. اليوم لا يريد العودة لنقطة الصفر، حتى وإن تطلب منه الأمر الموت، فهو قد بات مثل (الحَراكِ) عن موطنه، فيما هو يماثله بأنه (حَرَّاكٌ) عن ذاته.
كان يؤمن ببنية القطعية ” ما لم تبدأه اليوم، لن يكتمل في الغد بضرورة منهج النسقية”، هي كناية بأنه تخلى كليا عن سكونية الحياة المميتة التي تعشقه، ويرغب في تحقيق سنن التغيير، وتجسير الحصول ولو على قسط أدنى من نُتف السعادة (راحة البال). من حسن سعده، أن النوم بات يُفارق جفونه في ظل تجدد خلايا يقظته بطموح المستقبل. بات التراخي والتعب الذي كان يسنده راحة في كسله ومماطلته للأمور مع قضايا الماضي الذي تخلى عنه طواعية. أضحى الخوف من التغيير لا يرعب مساره في مداومة السير قُدما. بات الغضب يخبو حتى أضحى رمادا يتآكل مع الرياح.
كنت أداوم على متابعته إسراره في المشي السريع رغم تهديدات المعيقات التي يتلقاها، لأن مهارة حُلْمه كانت لا تتوقف عن البحث في نوعية المنافذ الآمنة بل عن الحياة بذاتها. كل فرص نجاحه كان يحملها بالتأني، وممارسة التخطيط، والبحث عن أجوبة تتضمن الجدوى من الحياة؟ من جميل سعادته أن مبادئه الأصيلة لم تتغير، بل زادته إيمانا في قتل أوهام الفشل. فالممكن الذي كان يسطو على أحلام الأمس، قد يبيت اليوم من الحقيقة البينية التي تقوده نحو النجاح فيما تبقى من حياته. اليوم، ثار على كل المئات من الأحلام المؤجلة، ونفض عنه غبار المتمنيات المهملة في الترتيب والتوجيه الصحيح نحو سياسة التغيير.