بقلم عادل بن الحبيب
دخلت على الإعلام متغيرات كثيرة في السنوات العشر الأخيرة، لم تكن إيجابية في معظمها أو مفيدة. وكان التحول الكبير قد برز في تغير مكانة الإعلام، إذ تحول من سلطة رابعة إلى سلطة أولى، وذلك بسبب قوة تأثيره في الجمهور.
فمحددات الإعلام الجيد والراقي اختلفت كليا، والمصداقية في الإعلام اصبحت مهددة كثيرا ،فبدلا من أن يقدم الإعلام المعلومات، تحول إلى منصة أسهمت في تأجيج الاحتقان والتشرذم . بل إن الإعلام في بعض الأحيان اصبح يكرس آفات اجتماعية طائفية وطبقية ،خاصة بعد طغيان الرأس المال على العمل الإعلامي.فظهر التنافس بين المؤسسات الإعلامية على التغطيات ذات الإثارة.
إن الاعلام الهادف يجب يقوم على أمرين أساسيين: احترام عقول الناس (لأن قدرة الوسيلة الإعلامية على التأثير في الناس كبيرة جدا)، والمحافظة على المصداقية والموضوعية والابتعاد عن “التشفير” والكلام المسيء والإثارة.
و هنا تظهر أهمية التفريق بين وسائل الإعلام ذات المسؤولية والتي تحتكم لمعايير وأعراف إعلامية وقوانين ومواثيق الشرف الإعلامي، ووسائل اخرى غير مسؤولة تحتكم إلى العواطف والانفعالات و تنشر التفاهة فقط.
ولعل ابرز تغير في المشهد الاعلامي هو ظهور الصحافة الالكترونية و صحافة المواطن .حيث يرى العديد أن مستقبل الإعلام في الصحافة الإلكترونية، و يبدو أن الصحافة الرقمية بالمغرب تسحب الجمهور شيئا فشيئا عن الصحافة الورقية ، إذ صارت بعض المواقع تستقطب ملايين الزوار، وأصبحت تعد بالمئات حاليا.
ومن مؤشرات هذا التحول التزايد الملحوظ في عدد الصحف الرقمية التي أودعت تصريحا بالإحداث حيث انتقل العدد من 262 موقع رقمي سنة 2015 مصرح به الى 746 صحيفة الكترونية مصرح بها نهاية 2018، ثم 892 الى غاية ابريل 2019 حسب احصائيات وزارة الثقافة و الاتصال.
لكن هذه الطفرة الكمية التي حققتها الصحافة الإلكترونية بالمغرب، لم تصحبها طفرة كيفية ،فرغم الطفرة الكمية التي حققتها الصحافة الإلكترونية في المغرب خلال السنوات الأخيرة، إلا أنها لا تزال فقيرة من حيث الكيف.و السؤال المطروح، ماهي القيمة المضافة التي يشكلها هذا الكم الكبير من المواقع الإخبارية في الساحة الإعلامية المغربية؟فالواضح أن الصحافة الإلكترونية لدينا بالمغرب تعيش فوضى إعلامية، وإن كان البعض يرى أن هذه الفوضى قد تسفر عن نتائج إيجابية مستقبلًا. فالصحافة الرقمية بالمغرب، جلها، قائم على النسخ واللصق والسطو على الملكية الفكرية للآخرين، كما أنها تصر على الاسترزاق بفضائح الآخرين، كما ان غالبية العاملين بها ليس لهم تكوين أو خبرة في مجال الصحافة.
فبالرغم من انها تستقطب جمهورا واسعا،فاغلب المواقع الإلكترونية المغربية ، تعاني شحا شديدا في استغلال الإمكانات التي يتيحها الوسط الإلكتروني، إذ سُجل غياب تام لرسومات الإنفوجرافيك، وانعدام المواد التفاعلية، بالإضافة إلى تجاهلها استعمال تقنية الروابط في محتوياتها النصية، ناهيك عن ضعف واضح في توظيف الوسائط المتعددة (السمعية والبصرية).
أما بالنسبة لمحتوى الصحافة الإلكترونية المغربية، فإن معظم المواقع تعرف «ضحالة شديدة»، باعتماد جلها على السطو أو إنتاج «الهراء»، في غياب التام للصحافة التحليلية والمتخصصة .
ومن بين أشكال الإعلام الجديد الذي ظهر مؤخرا أيضا صحافة المواطن ، وتسمى أيضا «صحافة الهواة». وتشمل المدونات والتجمعات الافتراضية على الشبكات الاجتماعية، والمواقع الإلكترونية التي لا تديرها مؤسسات إعلامية أو مختصين، وإنما مواطنين وشباب يفجرون مواهبهم ومكبوتاتهم، ومتحمسون جدا لنقل مجريات الأحداث بمناطقهم المحلية.
وسمح هذا النوع الجديد من الإعلام، والذي يتيح قدرا واسعا من الحرية في الرأي والتعبير، في أن يكون متنفسا للناشطين والمدونين المغاربة، للتعبير عن آرائهم الخاصة حول موضوعات سياسية ودينية واجتماعية، بعيدا عن الاتجاه الواحد السائد. للأسف معظم هذه الصفحات غارقة في الشعبوية الساخرة، وقليل منها جاد و هادف.رغم ان بعض المدونات الخاصة نجحت في استقطاب جمهور عريض، أحيانًا يفوق المليون مشترك.
وغدت صحافة المواطن بالمغرب تحل أحيانامكان الصحافة التقليدية الورقية والتلفزية، أو حتى الإلكترونية، في تغطية بعض الأحداث، كالشأن مع الكوارث الطبيعية، ، وكذا أحداث العنف و الحوادث و غيرها.
الملاحظ اليوم أن المجال الاعلامي عموما وبالمغرب خصوصا ،يعيش تحولات كبيرة.بعضها ايجابي و بعضها سلبي أصبح يؤثر على قيمة الصحافة المغربية، التي أسسها وحافظ عليها رجالات، يشهد لهم التاريخ بالمهنية والنزاهة وحب المهنة، فالاعلام المغربي عامة أصيب بصدمات قوية، بعدما ولج قطاع الصحافة دخلاء، يفتقدون إلى المهنية والنزاهة والاستقامة ونكران الذات بل و يفتقدون في بعض الاحيان الى ابسط مقومات الكتابة، وحولوا مهنة الصحافة إلى “مهنة من لا مهنة له”، و ساهموا مع الأسف في تبخيس العمل الصحافي، وتسببوا في الإساءة له و الى كل الصحافيين الشرفاء، الذين يخدمون مهنتهم بكل صدق وموضوعية وباتت الصحافة في نظر البعض مهنة لتحقيق الذات والمصالح الشخصية ، و مجال لتصفية الحسابات الشخصية و السياسية .
الصحافة ليست مهنة من لا مهنة له، هي في الأصل مهنة المفكرين والمثقفين والعلماء، الذين نضجت عقولهم فسالت أقلامهم على الأوراق، وأسماؤهم كثيرة، الصحافة مهنة صعبة وخطيرة، فهي مهنة المتاعب ولكنها ليست على الهامش، يختارها من ضل التوجيه ومن أضاع بوصلته، وكأنها دكان، أو محطة استراحة.. لا، هذه رابع سلطة! هذا عمل نبيل، تحكمه قواعد ومبادئ وضوابط، و في الاخير ليس كل “صحفي” صحفياً.