محسن الأكرمين.
قد تكون مكناس تتطور بالأقساط الرتيبة، مثل (بود نجال) الأسود الذي يطبخ بالمهل ليكون (زعلوك مكناس الحار) قبل دورة أكتوبر 2023 لمجلس جماعة مكناس. فيما مطالب الساكنة تزيد حدة، حين تتنقل في ربوع مدن الحظوة (الشمال/ الجنوب…) أثناء العطلة الصيفية والتغيير البيئي والعمراني السريع لتلك المدن، ويأتي المسكين المنهوك بمصاريف العطلة (الغالية)، ومن أعياه بكاء الأطلال، ويكتب على الحائط المتسخ حتما (أنقذوا مدينة مكناس !!) كتابة غير حضارية أولا، ويتصدرها فعل أمر موجه للآخرين فقط دون قول ( كلنا من أجل إنقاذ مدينة مكناس).
الأهم الخطاب يتوجه لآخر الغائب (أنتم : أنقذوا مدينة مكناس !!) وقد يكون الفعل مبنيا للمجهول الغائب حتما، ويستثني الذات (أنا) من أسباب إهمال مكناس وتأخرها على الصعيد الوطني. لا علينا، الكل يتبرأ مِمَّا أصاب المدينة من نكوص وإهمال، والآخر (الفاسد) هو المعلوم في السبب والأعراض !! قد تتنوع مشاكل مكناس وتتوزع في كل المجالات والسبل، وقد تكون المدينة افتقدت الجاذبية الحياتية، وأوجه خلق السعادة، وباتت جودة الحياة بعيدة المنال عند عموم الطبقات الاجتماعية والساكنة.
فالمدينة باتت مطالبها من العصور الوسطى (بَاغيِينِ مصباح شَاعِلَ!!). مسكينة أنت مكناس حين صغرت مطالبك، وباتت تمثل (واجب الوجود) بالضرورة، وحتمية من الحقوق الدستورية، ومن المطالب الشعبية التي تتردد يوميا بلا عياء. مسكينة أنت مكناس بناسك الطيعين والطيبين، حين يغيب الفاعل السياسي النظيف التشاركي (كلنا لأجل مكناس فقط). حين يرتد المثقف العضوي نحو الظل، وتناول حمية تقادم العمر (سيجارة وقهوة سوداء)، وكفاف في إنتاج الرأي الاجتماعي المتحرك، وصناعة الوعي النظيف.
سبق أن قلنا أن صيف المدينة زاد قيظه في غياب (المسابح العمومية) و(المجالات البيئية الغناء) و(الثقافة الرزينة المتنوعة). صيف صامت أربك لزاما الحياة بمكناس، وبات الجميع في منأى عن معايير نيل حياة السعادة والجودة. وكان لزاما التخبط في اختناق الغلاء، والأزمة المعيشية التي تتفاقم وكثرة (الشناقة).
من مستملحات مدينة مكناس حين تستريح الثقافة بالقبة الخضراء المكيفة في العطلة الصيفية، وتبيت تلك المعلمة الخضراء من أطلال المدينة التي تحتاج حتى هي للتثمين والترميم والتأهيل بعد ظهور التشققات المخيفة في جوانبها الخارجية. بين الموسم الثقافي القديم والآخر الجديد مسافة ندوات مغلقة، ومعارض ضيقة، ومستملحات عروض مسرحية. مسافة تلك الوجوه التي تستنسخ الكلمات، وتتبادل الكراسي بين مرتبة الإلقاء، ومنخفض السمع والتتبع. تتبادل الأيدي والتكريمات الورقية البينية (أمولا نوبة). هي الثقافة الناعمة (بالماكياج ) من نوعية (الفاسي) والتي تخرج بالتكرار ولادة قيصرية من جلباب القبة الخضراء.
سيأتي الموسم الحالي بالاستنساخ والبرمجة الدائرية المغلقة، وستعيد القبة الخضراء اللعبة ولن تستطيع الثقافة الفرار نحو المواطن والساكنة الاجتماعية، والعمل على تعديل القيم المتهاوية بتجديد مستويات الأخلاق والسلوكيات المدنية. فأي ثقافة تبتغي مكناس عند افتتاحها لموسمها السنوي الثقافي؟ آه، ثم آه… يا مدينة الثقافة باليتم والانحصار !! يكفينا بهرجة من ثقافة تبقى نخبوية، وطبقية بالترميز والاحتضان والدعم. يكفي المدينة من ثقافة تبقى حبيسة القبة الخضراء، وكأن مكناس لا منافذ فيها لتمرير الثقافة العادلة والرزينة والنفعية.
كلنا شوق في انتظار الموسم الجديد، لكي نصفق !! وما قد يحمله من مستجدات وطموحات جديدة. ننتظر التغيير في الافتتاح والتقديم والتوجيه وفي الحضور الناقد والمعترف بالقيمة المعرفية لا البهرجة والصورة، وانتهى الموسم الثقافي !! ننتظر ماذا خططت لنا القبة الخضراء لموسم ثقافي حافل بالمتغيرات التي تحمل الوعي وبناء الفرد والقيم الإنسانية بالمدينة (تمغربيبت). ننتظر افتتاح موسم ثقافي ليس من مخططات ملفات الماضي، بل من استحضار الحاضر والمستقبل، ومن متغيرات المدينة الذكية لا الوسائطية. ولما لا، نفض الغبار عن رطوبة تلك القبة الخضراء ولو بإعادة توظيف الثقافة.