متابعة محسن الأكرمين.
في عمق المدينة العتيقة بمكناس، وفي إتحاف التراث الأميري للدار الكبيرة العامرة بالأدب والتاريخ والفقه والعلماء، حط مهرجان عبق الخريف للشعر بمكناس في سنته الأولى. لم تكن فكرة مهرجان وليدة وعي فجائي عفوي عند الأستاذة لطيفة الغراس وفريق الاشتغال، بل كانت بحق نابعة من أستاذة أصيلة، تتفنن في نسج الحرف الشعري بالتلون والدلالة، وتربط القصيد بالوضعيات الحياتية الاجتماعية.
مهرجان عبق خريف الشعر بمكناس، في دورته الأولى، خلق الحدث الثقافي بالمدينة، وتحدى جميع الإكراهات و المعيقات التمويلية. تحدى كل الرؤى السلبية، وقياس التقزيم للفعل الثقافي بالمدينة السلطانية. تحدى الحرف النمطي الشعري الوحيد، وشكل الحرف الكوني سماعا من خلال حضور مجموعة من الشعراء العالميين في رحاب (قصر ديدي) التاريخ لسماع القصيد والفن الموسيقي والدراسات الأدبية، والحديث عن المكون الشعري وتمايزات البحور الشعرية المغربية بالتفرد.
في افتتاح بهيج، كانت الكلمات تُزكي مسامع الحضور. كان الترحيب يستوفي العُمق الأدبي لناس مكناس. حضرت المدينة من خلال تاريخ النشأة والتحولات، حضر البعد المادي العمراني للمدينة في جولة الوقوف عند مشاهد من تاريخ المدينة الإسماعيلية. حضر فن الملحون والدراسات المؤطرة لهذا الفن المغربي بالامتياز. حضر المعرض الفني التشكيلي في الرياض التاريخي، فكان الديكور متناغما مع خرير مياه النافورة.
لحظات رائعة من قصيد الشعراء، لحظات بالتموج بين رنة الكلمة وسماع عزف يدغدغ شعور وإحساس الحضور والمكان. نعم، بحق حضور بالنوعية والمشارب الأدبية والفنية، والمدارس الشعرية. حضور ثقافي متفاعل ومندمج مع يوم الشعر بعبق الخريف في دورته الأولى. أستسمح، إن تجنبت ذكر أسماء وألقاب وصفات المتدخلين والحضور. أستسمح، لأني إن فعلت فإني أجد نفسي أمام قامات إبداعية، وأدباء وباحثين يحملون مشعل الثقافة بالتنوع والأداء.
قد تكون لنا مجموعة من الملاحظات البسيطة، خاصة الشكلية منها للتطوير. لنتركها بعيدة اليوم، لجلسة تقويم المولود الشعري الأول بمكناس (الأداء والأثر)، ونرفع قبعة صدق النجاح، وربح رهان تأسيس مهرجان لعبق الشعر بمكناس. بالصدق كانت البداية تحمل اسم مكناس بعبق من شعر حفيف أوراق خريف. كانت البداية وقفة أدبية أشعلت المكان التاريخي بتصفيقات، ومُداومة على الإتحاف الفني وتشجيعا لكل من كان وراء إخراج هذا المولود الثقافي بعبق الشعر والتاريخ.