محسن الأكرمين.
لاَزَالَ مُستوى غلاء المواد الاستهلاكية يتزايد يوما بعد يوم انطلاقا من بداية السنة. غلاء أرهق جيوب عموم ساكنة مكناس، وخاصة الفئات المعوزة والهشة وذات الكفاف الاجتماعي. وقد وقفت اللجنة المنعقدة تحت رئاسة السيد عامل مكناس على مجموعة من الاختلال والمفارقات في الأسعار المرجعية، حيث تزيد أثمنة بعض المواد الغذائية عن ما هو مسجل بمدن الجهة أو على الصعيد الوطني.
وبعد طرح مجموعة من الحلول الإجرائية والموضوعاتية من طرف المتدخلين المهنيين، شرعت السلطات المحلية بمكناس القيام بجولات مراقبة وافتحاص لمختلف الأسواق التجارية والمحلات، سواء المتعلقة بالجملة أو التقسيط، للوقوف على مرجعية أثمنة الشراء والبيع، وكم عدد المتدخلين (السماسرية/ الشناقة) ومحاربتهم؟ وكذا مراقبة جودة السلع، ومدى توافر المواد الاستهلاكية بالوفرة، والتغطية الشمولية لكل أسواق المدينة، ومنع الاحتكار والمضاربات في السلع.
هي إجراءات يتم تنزيلها وغيرها من طرف السلطات الحكومية بمختلف ربوع المملكة، بعد أن باتت الأسعار تضر بالقدرة الشرائية للمواطنين. وحين يتم الحديث عن الغلاء وقفزة الأثمان بشكل مفزع، نجد من يبحث عن مبررات الجفاف والعوامل المناخية (قلة التساقطات/ موجة البرد/ مَطِيشَة ما تَتَحْمَارْشْ “ههه”) وقد بات الجفاف أمرا هيكليا. نجد من يسوغ الأسعار الغالية بالحرب بين (روسيا وأوكرانيا) وما سبب غلاء اللوبيا (20د) !! نجد علماء الاقتصاد (الفهامية) من يتحدث عن شح وغلاء المواد الأولية العالمية المستوردة. نجد مسوغات منها الجدية، ومنها الواهية بالكثرة في غياب الرؤية الوطنية لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
لكن الحقيقة المعاكسة، تتحدث عن جشع بعض التجار (الشناقة) في غياب المراقبة المستديمة، والضرب بيد من حديد على كل مضارب. تتحدث عن التلاعب في الأسعار واحتكار السلع والمواد (المستودعات السرية). تتحدث عن مضاربين (شداد غلاظ) مثل مصاصي دماء الشعب (مستودع سري لتخزين أطنان من الخضروات بمدينة إنزكان)، ومثل هذا المستودع قد نجده بمجموعة من المدن المغربية.
من سوء التدبير الفلاحي (المغرب الأخضر) أولا إنهاك الفرشات المائية غير المتجددة بزراعات غير ذي جدوى (الدلاح/ الأفوكا) لسد رمق الشعب. من سوء إستراتيجية وزارة الفلاحة ذاك (المخطط الأخضر) الذي دعم كبار الفلاحين في إنتاج الفلاحة التسويقية الخارجية، وإجحاف السوق الوطنية بالغبن وبعينات من الفواكه والخضروات غير الصالحة للتصدير !!! من سوء البرنامج (الأخضر) لم يفكر في الاكتفاء الذاتي المغربي، بل فتح أبواب التصدير على مفتاحيه، وترك المواطنين في مواجهة الغلاء، وقلة المواد الغذائية الاستهلاكية.
تلبية حاجيات السوق الوطنية لها الأسبقية والأولوية، وما على الدولة إلا وقف التصدير أو( التسقيف) لكل المواد الفلاحية والبحرية حتى يتحرر السوق من هذا الغلاء الذي يخلق الفتنة والتوترات الاجتماعية. حقيقة مغرب الفوسفاط والفلاح يشتكي من غلاء الأسمدة. مغرب الطاقة النظيفة و(نور) والفلاح لا يزال يستهلك غاز الطبخ بشراسة (المدعم) وبجانب كل بئر (دِيبُو للبُوطَاكَازْ). مغرب يدعم الناقلات والحافلات والعربات المهنية، والمواد الاستهلاكية لا تزيد إلا غلاء، ويقولون السبب (غلاء الغازوال) فأين يتبخر مال هذا الدعم؟ مغرب الفلاحة والبصلة بلغت أثمنة خيالية (نموذج مكناس). حقيقة أين الخلل هل في الفلاح، أو في (شناقة)السوق، أو في الدولة (في غياب المراقبة الكلية والمستديمة بالتخطيط الاستيباقي)؟ الكل يقول: لا نريد مراقبة موسمية من رمضان إلى رمضان.
حقيقة هنالك المضاربون (الشناقة) بمكناس وبمغرب الوصوليين والجشعين. هنالك من يقتات من الأزمة ويغتني منها، لذا على الدولة لا الحكومة إعادة توجيه رؤية الفلاحة نحو الاكتفاء الذاتي بالأولوية. على الدولة ترشيد التصدير للمواد الفلاحية والبحرية وغيرها، وألا تنجعل (خيرنا يمشي لغيرنا). على الدولة إعادة الاعتبار للفلاح الصغير، والفلاحة المعيشية المحلية، ودعمها بالأسمدة والمال والتوجيه. على الدولة تصحيح وضعية الأسواق المركزية للخضر (نموذج سوق مكناس) ومحاربة المضاربات. على الدولة خلق لجن محلية مشتركة لليقظة تتكون من أياد نظيفة حكيمة لا تخاف من اللوبي المتوغل (ولا تحمل هواتف التنبيه قبل الوصول للسوق المستهدف من المراقبة). على الدولة تقليص هوامش الضرائب المتنوعة، واستيراد المواد الناقصة بالسوق الوطنية لتحقيق الموازنة بين العرض والطلب.
.