لن أسأل عن ماذا تفعل الآن؟ ولكن، قد أحاورك بسؤال عقلاني أكثر دقة: بما تفكر الآن؟ هذا السؤال الأخير يستوطن كل الأبعاد الرمزية للتواصل الفعال الفوري، والتفاعلي الاجتماعي الآلي، ويحدد بنية العقل الرمزية، ونوعية التفكير النظيف أو الرخو. قد تكون جينات تفكيرنا تحمل سمات نمطية آتية من عقلية حركة نحلة تتنقل بين الأزهار، ولم تقدر ولو لمرة امتصاص كل الرحيق المتواجد بكم كبير في زهرة واحدة متفتحة، وهو الطعام الذي كان يكفيها عودة نحو الخلية، وبدون حركة تنقل غير تبريري !!
نعم سؤال: بما تفكر الآن؟ قد يكون أرضية مشتركة رحبة لإنتاج صيغ بديلة من التضامن والاندماج الآلي لجيل (المابعد) الحداثة، والمتمثل أساسا في مواقع التواصل الاجتماعي بين الأفراد والجماعات، وقد بات التواصل الفوري عبر الآلة يوازي الخطاب المكتوب والشفهي، وتم استنباته من التربة الاجتماعية الجديدة بمتغيرات الزمن والمكان والتقانة.
بما تفكر الآن؟ لن يسقطنا هذا السؤال الفطن حتما في أجوبة تُماثل التجريد، وهندسة تسطيح التنظير (المعياري) البعيد عن الواقع الاجتماعي المتحور بالتباعد الجسدي والذي يتجلى بالصورة الواقعية في التباعد الاجتماعي، بل نبحث عن خلق نظام المصالح والانشغالات الرمزية من ذوات الطابع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي باعتبارهم المجالات البديلة التي تتكفل برفض سلطة الانغلاق (الفردانية)، وتحذف الاختلاف (الذكاء الاصطناعي)، وتقلل من حجم التناقضات (ما بعد العولمة).
قد يكون الجواب يُجَانب قصد البداية، فيقول المتشائم: قد تحولنا نحو رؤية الظلام الافتراضي بهيمنة التفاهة، والتي تعارض الواقعية التقليدية، فمادامت الحياة اليومية باتت عالما مبتذلا وعاديا، وتحمل مواضيع ذات طابع أقرب إلى العاطفة والانطباعية والسذاجة !! فلن يكون المنتوج الفَضْلُ قَدْرَ مرارة حدة التعبير، بدل إنتاج الرزانة الاجتماعية وتمرير النقد الإيجابي.
بما تفكر الآن؟ سؤال يحمل حتما مُتخيل الاحتفاء بالاختلاف لا بخلافات السجال. سؤال فيه اندحار حتمي لمفهوم الفر دانية، رغم أن صياغة السؤال تحمل إمكانية تحويل المفرد إلى الجمع الجماهيري. فالحقيقة العفوية في الجواب، تنفلت من شكلية اللغة ودلالاتها التركيبية، وتتحرر من الحماس و الاندفاع في صياغة أجوبة ذات سفسطة مريرة وزائدة. ينفلت الجواب حتما من رؤية صدفة الحامل والمحمول في (تعامد التناص) بين تفكير الأجوبة السليمة لا في بناء السؤال الفَطِنِ.
بما تفكر الآن؟ قد يلتزم الجواب المقنع أسلوبا أقل تحصينا في عالم التحولات الاجتماعية المتسرعة والمدن الذكية. قد يقع الجواب ضمن وضعيات السقطة المدوية المتنافرة، وضمن نطاق التواصل الآلي العمودي، وسلطة الذكاء الصناعي للحداثة (البعدية). فهذا الإشكال إن صح يُفْقدنا جميعا الاتفاق عن جواب وجداني ووجودي سليم قابل للتنقيط والتصنيف ولما حتى الترقيم الآلي والتنظيم التقليدي. قد نتسرع بالإقحام ونقول: نفكر في أجوبة تكون أكثر شمولية لأسئلة مستفزة : من نحن في الواقع؟ ومن أنا في الافتراضي؟ ومن أنت في المستقبل؟ ومن هم في جمع تكسير الغائب الآلي؟