بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
السيد الرئيس
السيدات والسادة الوزراء
السيدات والسادة النواب المحترمون
عطفا على ما تناوله زميلاي في الفريق الاستقلالي، أتشرف بأن أتناول الكلمة لمناقشة الشق الاجتماعي في مشروع قانون المالية لسنة 2026.
واسمحوا لي أن أنطلق من الخلاصات التي جاءت في خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في عيد العرش المجيد وبمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الحالية والتي دعا من خلالها جلالته إلى إطلاق جيل جديد من برامج التنمية الترابية المندمجة من أجل تكرس تنمية متوازنة شاملة ومتضامنة تشمل كل الجهات وتروم التحسين الملموس للظروف المعيشية لكل المواطنات والمواطنين على قدم المواساة، بما يضمن مغربا صاعدا يسير بسرعة واحدة لا بسرعتين لأقول أن هذا التشخيص والتوجيه الملكي السامي يتضمن في عمقه رسالة جماعية لكل المتدخلين والفاعلين الحكوميين والترابيين والمؤسسات والمقاولات العمومية مفادها أننا تأخرنا كثيرا في التفعيل الحقيقي والناجع للجهوية المتقدمة وفي تحقيق الغايات الكبرى للاتركيز الإداري.
نعم فمع استمرار تغول التركيز الإداري أي اتخاذ كل القرارات التنموية انطلاقا من المركز، أخطأنا المسي، ولحكومات متعددة، في مرحلة مهمة وهي مرحلة بناء السياسات العمومية واتخاذ القرار التنموي، ما أثر للأسف الشديد على نجاعة كثير من المشاريع العمومية وحال دون أن يكون لها الأثر التنموي والترابي المباشر والملموس لدى الساكنة المستهدفة. وهو ما أنتج بالتالي سنوات وسنوات من الفوارق المجالية والاجتماعية.
السيد الرئيس
إننا في الفريق الاستقلالي نسجل بإيجابية كبيرة ما حمله هذا المشروع من برامج لتأهيل العرض الصحي الوطني خاصة اطلاق عملية إصلاح وتحديث 90 مستشفى بكافة جهات المملكة، والتي ظلت لسنوات طويلة دون انتباه، بكلفة تناهز 3.3 مليار درهم وإطلاق المرحلة الثانية من تأهيل المراكز الصحية للقرب والتي تستهدف 1600 مركز المتبقية بعد استكمال المرحلة الأولى التي همت حوالي 1400 مركز صحي إضافة إلى تسريع أشغال بناء وتجهيز المركب الاستشفائي ابن سينا وبن ملال وكلميم والرشيدية، وبعد دخول المركزين الاستشفائيين الجامعيين العيون وأكادير للخدمة إضافة إلى إحداث 8000 منصب مالي لفائدة قطاع الصحة مع الرفع من ميزانيته ل 42مليار درهم، لكننا بالمقابل ندعو الحكومة الى إيجاد حلول سريعة لمشكل تركيز الاطباء المتخصصين في بعض المدن الكبرى، والانتباه للاستقطاب غير المشروع بل وحتى غير الشرعي للأطباء من طرف بعض المصحات الخاصة، التي انتشرت كالفطر بعض دخول نظام التغطية الصحية الاجبارية عن المرض خاصة الفئة التي تتكفل الدولة بأداء مستحقات الاشتراك بدل عنها بحوالي 10 مليار درهم سنويا.
ففي غياب خريطة صحية ملزمة، سيستمر تركيز القطاع الخاص بالمدن الكبرى والأكثر جاذبية و سيتعمق الخصاص في الأقاليم البعيدة وهو ما يستوجب اليوم الإسراع بإخراج خارطة صحية ملزمة تربط الاستثمار المربح جدا في هذا القطاع بهذه المناطق، حتى لا نساهم من حيث لا ندري في خلق فراقشية بهذا القطاع الحيوي مع ضرورة التسريع بإخراج المراسيم المحفزة للأطباء وكل مهني الصحة لاستعادة جاذبية العمل في القطاع العام الذي كان وسيبقى الركيزة الأساسية للصحة ببلادنا.
فهذه المنافسة غير المشروعة بل وحتى غير الأخلاقية أحيانا أثرت بشكل كبير على جودة ومردودية المستشفى العمومي وبالتالي على الخدمات المقدمة لفئة واسعة من المواطنات والمواطنين.
ولأننا مؤمنون بمصيرية الرهان على التعليم ذي الجودة، في بناء مستقبل آمن لبلادنا فإننا ندعم جهود الحكومة الرامية الى الارتقاء بالتعليم الأساسي والعالي والتكوين المهني سواء من خلال إحداث 4800 قسم جديد للتعليم الأولي ليبلغ عددها الإجمالي ما يناهز 40,000 قسم و قرابة 1,000,000 مستفيد أو عبر تسريع عملية تعميم مدارس الريادة أو عبر تعزيز العرض المدرسي من خلال افتتاح 170 مؤسسة تعليمية جديدة برسم الدخول المدرسي الحالي وبرمجة أكثر من 193 مؤسسة تعليمية جديدة برسم سنة 2026 فضلا عن توسيع قاعدة النقل المدرسي بالعالم القروي، اضافة الى البرامج الطموحة للإصلاح البيداغوجي الشامل والمندمج للجامعة المغربية والنهوض بمواردها البشرية ووصلا لتوسيع عرض التكوين المهني من خلال تعميم مدن الكفاءات والمهن بميزانية اجمالية تناهز 125 مليار درهم، أي بزيادات تاريخية وغير مسبوقة، بيد أننا نسجل بالمقابل عددا من الملاحظات خاصة ضرورة الانتباه لوضعية الاساتذة العاملين بقطاع التعليم الأولي واستمرار بعض المظاهر السلبية بالمدارس الخاصة التي تضعف فيها الرقابة الحكومية اسوة بالتعليم العمومي سواء على مستوى البرامج البيداغوجية أو على مستوى تحديد تكاليف الدراسة والتأمين والأنشطة المدرسية التي تجاوزت في احيان كثيرة سقف المعقول ما جعل فئة واسعة من المواطنات والمواطنين في معاناة مستمرة وقهر اجباري لقدرتهم الشرائية في انتظار تنزيل القانون الإطار للتربية والتكوين. فكثير من الأسر خاصة الطبقة المتوسطة أضحت تعمل اليوم فقط من أجل تغطية تكاليف دراسة أبنائها في المدارس الخاصة.
كما لا يفوتنا التنبيه الى جيل كامل من ضحايا الهدر المدرسي لسنوات طويلة، والذين تحولوا اليوم الى شباب في مقتبل العمر دون عمل ودون دبلوم وشغل، والذي تجاوز عددهم التراكمي قرابة مليون ونصف مليون شاب وشابة، والذي يستوجب منا جميعا الانتباه اليهم، ببرامج نوعية واستهداف دقيق، مع تجفيف أسباب الهدر المدرسي باشراك كل المتدخلين وخاصة الجماعات الترابية، واستغل هذه المناسبة لأحيي مبادرة وزارة التشغيل التي أطلقت برنامجا خاصا للتكوين المهني لفائدة الفئة.
السيد الرئيس
وبعيدا عن منطق صناعة اليأس الذي يهدم الأمم فإننا في الفريق الاستقلالي معتزون بما تحقق فيما يخص الورش الملكي غير المسبوق لتنزيل ركائز الدولة الاجتماعية، فالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض والذي تتحمل على إثره ميزانية الدولة اشتراكات حوالي 11,000,000 مواطن من الفئات المعوزة غير القادرة على أداء الاشتراكات بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بقيمة تقدر ب 10.5 مليار درهم يعتبر في حد ذاته تكريسا حقيقيا للإنصاف الاجتماعي للفئات الهشة كما أرادها جلالة الملك، ولنكن صرحاء أن التأمين الإجباري الأساسي عن المرض ليس هو الراميد بل إنه تغطية صحية متكاملة تمكن المستفيد سواء أدى اشتراكه أو تحملت الدولة تكاليف ذلك، من نفس سلة العلاجات المقدمة لفائدة منخرطي الصندوق من الأجراء سواء بالقطاع العام أو القطاع الخاص واسألوا عشرات الآلاف من المواطنات والمواطنين الذين تمكنوا بفضل هذه التغطية الصحية الإجبارية من الاستفادة من عمليات معقدة ومن حق لم يكن سابقا متاحا في استرداد ي مدفوعاتهم سواء المتعلقة بالتطبيب أو شراء الأدوية أو التحاليل الطبية.
نعم هناك من لا يعجبهم العجب ويقتاتون على صناعة اليأس تارة لاستقطاب مشاهدات اضافية في وسائل التواصل الاجتماعي وتارة أخرى لاستقطاب بعض الأصوات، لكن الحقيقة التي لا ولن تنجلي، تؤكد اليوم أن ما أراده جلالة الملك لفائدة هاته الفئات الهشة من أبناء هذا الوطن قد أصبح حقيقة معاشة.
نعم السيد الرئيس، إنه ليس الكمال فهناك مشاكل متعددة وجبت التعامل معها وحلحاتها، خاصة مشكل المؤشر الذي لا يبقى مستقرا ما يؤثر على الوضعية القانونية لعدد مهم من المستفيدين والذي يستلزم منا إعادة النظر في بنيته، وفق تقييم علمي ودقيق للمرحلة الأولى من تطبيق نظام السجل الاجتماعي الموحد.
ولأن رؤية جلالة الملك حفظه الله للدولة الاجتماعية شمولي ومتكامل فإن الدعم الاجتماعي المباشر لا زال يؤدي أدواره الاجتماعية ويحقق الغايات المرجوة من هذا البرنامج حيث بلغ عدد الأسر المستفيدة من هذا النظام ما يقارب 4 ملايين أسرة ليبلغ مجموع الإعانات الممنوحة في إطار هذا النظام حوالي 44.6 مليار درهم منذ إطلاقه، في أفق الرفع من القيمة الشهرية لإعانات الأطفال بمبالغ تتراوح بين 50 و100 درهم لكل طفل من الأطفال للثلاثة الأوائل، برسم السنة المالية المقبلة، حيث سيكلف هذا البرنامج وحده، 29 مليار درهم، برسم سنة 2026 أي أكبر بكثير بأربعة ملايير درهم من كلفة بناء جميع ملاعب المونديال، هذا دون نسيان برنامج الدعم المباشر لاقتناء السكن الرئيسي الذي استفاد منه منذ إطلاقه حوالي 68,000 أسرة إلى غاية منتصف شهر أكتوبر ليبلغ المبلغ الإجمالي للمساعدات المقدمة لهذه الأسر ما يفوق 5.6 مليار درهم. واسألوا من كان لا يملك سكنا رئيسيا عن قيمة هذا الدعم.
السيد رئيس
ومن باب الأمانة، لا يمكن أن نقفز على المكاسب المحققة في إطار الحوار الاجتماعي، والذي عرف حلحلة عدد من المشاكل الاجتماعية والمطالب النقابية التي عمرت لأكثر من عقد من الزمن والذي استفاد منه الأجراء والموظفون سواء بالقطاعين العام والخاص وكذا المتقاعدين بكلفة إجمالية تقدر ب 48 مليار درهم برسم الفترة 2022/2026 بما في ذلك مراجعة نظام الضريبة على الدخل التي تم تخفيضها إضافة إلى الزيادة في الحد الأدنى القانوني للأجور في النشاطات الفلاحية وغير الفلاحية في القطاع الخاص
وإذا كنا نقدر جهود الحكومة لدعم القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين والتي بلغت النفقات المخصصة لها في الفترة ما بين 2022 و2025 أكثر من 116مليار درهم موزعة بين دعم استقرار أسعار بعض المواد الأساسية ودعم مهني النقل للحفاظ على استقرار تكاليف النقل، و كذا دعم المكتب الوطني للماء والكهرباء من أجل الحفاظ على استقرار فاتورة استهلاك هاتين المادتين الحيويتين، فإننا ندعو الحكومة إلى الانتباه إلى ضرورة معالجة آفة التضخم الوهمي الناتج عن الاحتكار والمنافسة غير الشريفة وضعف المراقبة والاستغلال البشع وغير المبرر للقدرة الشراء للمواطنين عبر تكثيف لجان المراقبة والتفعيل والتفاعل الجدي والسريع مع توصيات مجلس المنافسة ومحاربة عصابات الفراقشية في كل المجالات لأنه بكل بساطة مصلحة الوطن أهم بكثير منهم
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته





