علمونا أن من يضع “طاقية الإخفاء على رأسه” يعش متسيدا، متمتعا بقوة خارقة ويتحكم في العباد مثل “كوفيد 19″. علمونا أن ” طاحونة الطلاسم ” تمتلك الحلول لكل المشاكل وقد (حوت ما في العالمين) وتقدر على الفتك بالآخر في وقت وجيز. تعلمنا في الجامعة أن يوم النضال ” لا ينتهي، في ساحة لا تنتهي، في ليلة لا تنتهي…”. علمتنا النصوص القرائية أن نخاف من الجن الخفي حتى وإن كان مرحا(أو أو… أنا عفريت…)، وكذا من الشياطين التي تتربص كل لحظة بنا (الرمح المسحور). تعلمنا من مرفقات الحياة ألاّ نستصغر لهيب النار في الغابة، ولا فورة الماء في الوادي الهائج، ولا ثلج الجبل الشديد الانكسار، ولا فيروس “كورونا” المسجد الذي يلبس “طاقية الإخفاء”.
كان تعليمنا بسيطا بالعين المجردة بلا مجهر يدوي ولا مكبر إليكتروني كاشف عن الوجه الحقيقي للفيروسات ونوايا الإنسان. تعلمنا أن نتعايش مع شتى فيروسات بأمن صحي وقائي، ومرات متقطعة تفتك بنا حين تلحظ أن سلالة آدم تقوت وظنت أنها تمتلك سحر عصا سيدنا موسى لكل جائح خفي. كان تعليمنا تغلب عليه الغيبيات من (الرمح المسحور)، وقصبة (زوزو) يصطاد السمك، وقد أوصل الجن إلى التدجين والتآلف والانسجام (أحمد والعفريت). كان تعليمنا يزودنا بما ورد في المعلقات من قصائد الجاهلية، ولماذا سميت بالمعلقات؟ وعن بحور سوق عكاظ الشعرية، وعن شعر الهجاء بين الفرزدق وجرير، وتكسب أبي الطيب المتنبي بشعره في مدح الملوك.
علمونا أن أحقية الجزاء والعقاب من الله عز وجل، علمونا أن بعد حساب ثلة اليمين ، نعيم الجنة والحور العين، لكن لا أحد منا مستعدا للموت ليلتحق بجنة الخلد. علمونا أن الله واجب الوجود ويرانا سواسية من السماء العلوية، وأن هنالك ملائكة بشمال أيدينا تدون الشر النابع منا، وأن الملائكة التي تتربع على اليمين هي من تدون أفعالنا الخيرة وحسناتنا. علمونا ونحن صغار أن نبصق على اليسار في لعنات تستهدف الشيطان، وبقينا نبصق يسارا ونخاف من أن نكون مع كثلة اليسار. علومنا البصق على ثيابنا الداخلية إن ذكر الجن المارد، ونتعوذ من شر الشيطان الرجيم ونلعن إبليس جهرا. تعلمنا أخيرا أننا لن نستطع القضاء لا على الشيطان ولا على “كورنا ” بالبصق أو” بطاحونة الطلاسم “، بل بالعلم والقيم الأخلاقية الرفيعة.
علمونا أن “الله يرانا” حتى وإن تسترنا على فساد أفعالنا الدنيئة، علمونا اعتقاد المرجئة في تطبيق القانون الدنيوي، فلن يلغي عنك محاسبة الآخرة في الذنوب المقترفة تجاه العباد. علمونا عرفيا أن تلك “العاهرة” المحترفة بعد موتها تمسي ليلا “بغلة للقبور” ولها سلطة حرية التجول ليلا والمكر بالعباد الأحياء والقبض عليهم ولما تعريضهم للرفس بالأرجل، لأنهم هم نالوا من لحمها “الحي والطري” عنوة . تعلمنا من عرف الخرافة أن “لالة عيشة” تخرج ليلا ورجلاها مثل أرجل البقر وتطلب المساعدة الذليلة، ويمكن أن تغدر بمن أركبتها خلفه على ظهر بغله أو حصانه.
تعلمنا سبل اختيارات الخير والشر، ومصاحبة الأخيار، والنهي عن مرافقة الأشرار، وكأن الأشرار حظهم أنهم خلقوا بقدر ممارسة الشر ومعاونة إبليس اللعين. تعلمنا من الفلسفة السؤال الماكر (لكل من له بداية له نهاية) ، لكنا لم نتمكن أن نحول غاياتها الكبرى إلى علم تفكيري متجدد، بل بقينا نمارس سفسطة الجدال الرخو بين توزيع الحداثة والتقليد.
تعلمنا أن من علو الجبل تتصعد الصدور، لكن خوفنا أسكننا في قمم علوه أمنا من قطاع الطرق. أسمعونا في المذياع قصة “عنترة بن شداد ” العبد العبسي الأسود وشعر الفروسية وحبه لعبلة بنت مالك. أسمعونا مدى قوته البدنية والتي فاقت “شمشون العهد القديم، وطرزان القردة “. أسمعونا قصة “سيف بن ذي يزن” الملك المتوج على الجن والإنس، والذي خاض حروبا مع الجن المؤمن “عيروط” و”الساحر برنوخ” و الجنية “عاقصة” ضد أشرار الجن برئاسة الأم المتكبرة. علمونا التوكل والاتكال والكل يزداد برزقه حتى وإن لم نخطط له وجاء عرضا (حادثا) ، وأن المال يصنع التعساء (الغني والاسكافي) وبدون مال تعيش مطمئنا آمنا. علمونا القناعة والاقتناع الطوعي وأن اليد الواحدة أو العشرة منها يمكن أن تشبع من قصعة الطعام الفريدة.
كان تعليمنا والحمد لله يفتق فينا الخيال والتأويلات الخرافية ، كان تعليمنا خطابة ومتن ولغو وحشو وتنابز بالألفاظ،. كان تعليمنا لا يلزمنا التفكير العقلاني قدر ما يشحنا بالمعارف التراكمية، مثلما نشحن بطاريات هواتفنا الذكية حين تفرغ. كان تعليمنا لا يعير للسن مكانة وليس بالإلزامي (قرى حتى تعيا) ويمكن أن تحلق لحيتك وأنت بالمتوسط الأول وتتزوج وأن بالمدرسة الابتدائية. كان تعليمنا بالمواجهة وما أدراك ما فصل وقسم المواجهة ، كان تعليمنا لا يرتكز على الإعداد القبلي للدروس ومتابعة الدعم والدروس الخصوصية. كان تعليمنا (قاصح) ويتلذذ بالضرب والتنكيل بالأجساد الطرية ب(الفلقة)، و من قول الآباء يستمد طغيانه أنت ” اذبح وأنا أسلخ”. كان التلاميذ مثل سيدنا إسماعيل يفكرون برؤيا ( الذبح )، ويخافون على أعناقهم إن هي أينعت فقد يأتي من يقطفها بالسيف.