محسن الأكرمين
لا يمكن أن يبقى الماضي دفينا بالإهمال، بهذه العبارة القصيرة، كان الشيخ الضامر في العمر يُعيد تشكيل ما تبقى من ذاكرته المنسية والمتهالكة. أقسم الشيخ النحيف، أن الشيطان قد حضر في جسم رجل قوي ليلتها، لينفذ جريمة القتل، وإخصاء ألسنة من حضر من الشهود.
كانت تلك الليلة من الليالي المطيرة لفصل شتاء نافض المياه وبوفرة غزيرة. كان البرق يلمع في قلب القبيلة وحواشيها المترامية الأطراف بالإهمال، ومن البرق كان يتحدد شكل البيوت المتناثرة بلا انتظام. في طلقة الرعد المدوية بمنتصف توقيت الليل، تم الإجهاز بالقتل على روح أدرار. وكان القتلة يرددون في أذنيه لم نكن نرغب يوما في أذيتك، لكنك تماديت في محاربة رزقنا اليومي في قبة الضريح، فلن يُنقذك اليوم منَّا اليوم يا رجل من أيدينا غير الموت. ستموت، وثمة مصير أسوأ من الموت يلحقك بمتسع حياتك الباقية، حين نُبقي الألم يُلازمك في نعشك السرمدي، وأنت حي عند عملية الدفن.
أخوية الشعوذة، تُطلق عنان قوة الشر بحلف القتل والتنكيل المتشعب. تلك الليلة الهوجاء في طقسها، كانت الحرب محتدمة بين قوة بقاء حياة الخير، والقبض على الشر حتى الموت، ولكن هيهات، هيهات كانت الغلبة لمريدي الموت فهي النهاية التي تزيل الألم من بقايا روح حياة العالقة بنهاية الحلقوم.
حين كان أدرار يحرك عينيه بمتجه القتلة حماة الشر والشعوذة في القبيلة. كان تفكيره ينصب على مصير ابنه مناد، كان يعلم أن محو التاريخ من الذاكرة لن يطوف عليه الخرف ولا النسيان المسكوت عنه، مادامت أحداث القتل مشتركة، ومعلومة.
كان يعلم علم اليقين أن أسرار القبور لن تسرق إلا من نابشي الكنوز، وتبقى الذاكرة ناطقة بما حدث ليلة القبض على الحياة.
تم إلباس الكفن الأبيض لأدرار قبل ممارس شنيعة القتل، وتدمير روح الحياة. تم تحنيط أطراف جسم أدرار بأعشاب تشل من حركته ومقاومته للشر. كان الرجل بضمير الشيطان، كبيرهم الحاكم بأوامر القتل. أصدر الحكم الواقف على رأس أب مناد، وهو في كفنه لا يزال حيا. كان حكم أخوية الشر بين ظلام الليل وضوء برق السماء، كان الشر ليلتها قد تغلب على الخير حتما.
يقول خادم الشر في أبشع لحظاته القاسية، من اليوم أنت محكوم عليك بالعتمة الأبدية يا أدرار، وسرك لن يكشفه أحدا، غير لمن يحمل دما نقيا من قبلية آيت أمياس. كان أدرار يتمنى لو لدينه مجال من الوقت لينقذ حياته. كان يبحث عن تكسير لعنة الشر، لكنه لم يقدر المواصلة من شدة الشلل الذي نال منه عياء، فخر ساقطا أرضا. حين علم مناد العز من الشيخ الضامر في العمر معلومات ليلة جناية القتل، قال: أحيانا قد نحتاج إلى وحش غير رحيم ليحارب وحوشا ضارية في الجرم والشر.