آخر الأخبار

بين رعاية الأب وحكمة الملك: الأمير مولاي الحسن من عمق الإرث إلى أفق القيادة.

[بلادي نيوز]9 مايو 2025
بين رعاية الأب وحكمة الملك: الأمير مولاي الحسن من عمق الإرث إلى أفق القيادة.

 

*فيصل مرجاني*

يحتفل الشعب المغربي، في الثامن من ماي، بعيد ميلاد ولي العهد الأمير الجليل مولاي الحسن، وهي مناسبة لا تحتفي فقط بتاريخ ميلاد وريث العرش، بل تُعدّ محطة رمزية لتأمل المسار المتدرج الذي عرفته شخصية الأمير الشاب، والتطور النوعي الذي يطبع حضوره في المشهد الوطني والدولي، كمثال متميز على تلاقي الاستمرارية الملكية مع متطلبات الزمن السياسي الحديث.

لقد برزت صورة الأمير مولاي الحسن، كنموذج للشاب المغربي الوطني، الطموح، المتخلق، الواعي بمكانته، والمُلمّ بأصول البروتوكول الملكي، دون أن ينفصل عن واقعه المجتمعي أو عن مقتضيات المرحلة. فمنذ نعومة أظافره، أبان عن نضج مبكر وذكاء تواصلي راقٍ، مكّنه من تمثّل المهام الموكولة إليه سواء كمرافق دائم لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، أو كممثل عنه في مناسبات رسمية تستوجب حضوراً سيادياً وحنكة تواصلية متقدمة. لقد ظهر مولاي الحسن في هذه اللحظات، ليس كمجرد رمز بروتوكولي، بل كفاعل شاب يتمتع بقدرة استثنائية على التأقلم مع مقتضيات الأدوار التمثيلية، بما يعكس تربية ملكية عالية الدقة، تؤسس للقيادة من منطلق الكفاءة، لا الوراثة الصورية.

ولا يمكن تفكيك معالم هذا التكوين المتوازن لشخصية ولي العهد دون استحضار البعد البيداغوجي والاستراتيجي الذي اعتمده جلالة الملك محمد السادس نصره الله في هندسة مسار ابنه، حيث تبنّى جلالته رؤية ملكية تقوم على تأهيل الأمير في إطار توازن دقيق بين الممارسة المؤسساتية الرفيعة والعيش الطبيعي لشاب في مقتبل العمر. لقد أدرك الملك، بحسه العميق في شؤون الحكم، أن إعداد قائد للقرن الواحد والعشرين لا يمكن أن يستند إلى قوالب تقليدية تُقصيه عن مجتمعه، أو تجعله سجين الأدوار الرمزية، بل لا بد من تمكينه من فضاء حيوي يزاوج بين الانضباط والمسؤولية من جهة، والتجربة الشخصية والعيش الطبيعي من جهة أخرى.

إن هذه الرؤية لا تنم عن نزعة أبوية فقط، بل تعكس وعياً مؤسساتياً متقدماً يعتبر أن التكوين القيادي يجب أن يتأسس على الثقة بالنفس، وعلى اختبار الحياة في أبعادها السياسية والاجتماعية والوجدانية. فمرونة هذا النهج لا تعبّر عن تساهل، بل عن وعي بأن الصرامة المطلقة لا تنتج قياديين، بقدر ما تصنع شخصيات منغلقة أو خائفة. في المقابل، يفتح الانفتاح المنضبط المجال أمام تكوين شخصية قيادية تمتلك أدوات الفهم والاستيعاب والتحليل، وتُنمّي الكاريزما عبر الاحتكاك الواقعي، وليس فقط عبر الإعداد النظري.

وقد تُرجمت هذه الفلسفة التكوينية إلى ممارسات واضحة، حيث حرص جلالة الملك على إشراك ولي العهد في سلسلة من الأنشطة والمهام على مستويات متعددة: سواءً ذات الطابع المدني، أو العسكري، أو ذات البعد الدبلوماسي، الثقافي، والرياضي، ليكون فاعلاً مباشراً، لا مجرد ظلّ للملك. فترؤسه لفعاليات كبرى، واستقباله لوفود رسمية، ومشاركته في مناسبات سيادية، لم تكن يوماً مجرد لحظات للعرض الإعلامي، بل كانت محطات للتكوين السياسي، ومواكبة دينامية الدولة من الداخل. وهنا تتضح الخصوصية المغربية في التعاطي مع مسألة ولاية العهد، باعتبارها ليس فقط انتقالاً للسلطة، بل تواصلاً مؤسساتياً منظّماً، يعتمد التدرج ويؤمن بالاستثمار في الرأسمال البشري، بدءاً من قمة الهرم.

من هذا المنطلق، تتبلور صورة ولي العهد كوجه شاب لمغرب يجمع بين الأصالة والتجديد، مغرب يعيد صياغة رموزه في ضوء التحولات الجيلية والسياسية، دون أن يتخلى عن جذوره التاريخية العميقة. فالحضور المتنامي للأمير في الواجهة الوطنية والدولية، وما يحظى به من احترام في الأوساط السياسية والدبلوماسية، واهتمام بالغ في دوائر المراقبة الملكية المقارنة عبر العالم، يعكس إدراكاً جماعياً بأن المغرب لا يراهن فقط على مشروعية الماضي، بل يستثمر أيضاً في مشروعية المستقبل، من خلال شخصية مولاي الحسن، التي تجمع بين المعرفة البروتوكولية والحنكة التفاعلية، وبين الهيبة المؤسساتية والبساطة التواصلية.

إن رمزية مولاي الحسن لا تُختزل في كونه ولياً للعهد، بل في كونه تجسيدا حياً لتجديد الوظيفة الملكية نفسها، كسلطة ضامنة للاستقرار ورافعة للتنمية، منفتحة على تطلعات الأجيال الجديدة. فكما أن جلالة الملك محمد السادس قاد تحولات جوهرية في بنية الدولة المغربية خلال ربع قرن، فإن انخراط ولي العهد في صلب هذه الدينامية يهيئ لمرحلة جديدة، تؤسس للانتقال السياسي السلس، القائم على التراكم المؤسساتي والوعي الجيلي، لا على القطيعة أو التكرار.

وبذلك، فإن الاحتفال بعيد ميلاد ولي العهد ليس فقط مناسبة بروتوكولية، بل محطة لتأمل مسار قيادي آخذ في التشكل، يستمد قوته من عمق الرؤية الملكية، ومن صلابة المشروع السياسي المغربي، الذي يصرّ على ربط الشرعية التاريخية بالفعل الميداني، ويُراهن على شباب البلاد، بدءاً من قمة الهرم، لصناعة مغرب الغد بثقة وثبات.

الاخبار العاجلة