بقلم : أميمة السولامي
المرأة هي القوة المحركة لأي مجتمع يسعى إلى التقدم والازدهار. هي ليست مجرد ربة منزل أو مقدمة للرعاية العاطفية داخل حدود الأسرة، بل هي شريك فعال وأساسي في كل جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. لم يعد دور المرأة مقتصرًا على البيت فقط، بل تعدى ذلك ليشمل جميع المجالات الأخرى التي تساهم في تشكيل المجتمع وبنائه. المرأة ليست فقط مصدر العاطفة والعناية، بل هي قوة عقلية، اقتصادية، وإبداعية تُساهم في تطوير المجتمع على جميع الأصعدة. إنها عنصر أساسي في النهوض بالحضارات والأمم، ودون مشاركتها الفعالة لن يكون هناك تقدم أو استدامة.
المرأة هي نصف المجتمع، ولكنها أيضًا محرك رئيسي في دفع عجلة التطور الاقتصادي. إن دمج المرأة في سوق العمل يزيد من الإنتاجية بشكل عام. النساء في القطاعات المختلفة، سواء كانت التجارة، الصناعة، التكنولوجيا أو التعليم، يحققن تأثيرًا ملحوظًا في الاقتصاد. عندما تحصل المرأة على الفرصة لتوظيف مهاراتها وإبداعها، تصبح جزءًا لا يتجزأ من تحقيق النمو الاقتصادي المستدام. دراسات عديدة أظهرت أن البلدان التي تُسهم فيها النساء بشكل أكبر في القوة العاملة تتمتع بمعدلات نمو اقتصادية أعلى من تلك التي تحجم عن دعم وتمكين المرأة. إن الاستثمار في التعليم وتطوير المهارات لدى النساء يمكن أن يُحدث فارقًا كبيرًا في تعزيز الابتكار والإنتاجية.
وفيما يتعلق بالدور السياسي، تلعب المرأة دورًا محوريًا في اتخاذ القرارات التي تؤثر على حاضر ومستقبل الأوطان. فوجود النساء في البرلمانات والمجالس الحكومية يعزز من التنوع والتوازن في صنع السياسات. المرأة تقدم وجهة نظر مغايرة ويُضيف حضورها الحكمة والشمولية، ما يؤدي إلى قرارات أكثر توازنًا فيما يتعلق بالصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية. وتبقى المرأة رمزًا قويًا للمساواة والحقوق، ويُعد مشاركتها الفعالة في السياسة خطوة أساسية نحو تحقيق مجتمع عادل وديمقراطي.
وفيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية والثقافية، لا يُمكن تجاهل الدور الذي تلعبه المرأة في الحفاظ على الهوية الثقافية وتطوير المجتمع. المرأة هي التي تعبر عن الثقافة من خلال الفن، الأدب، والموسيقى، وتحافظ على التراث. بالإضافة إلى ذلك، تسهم المرأة في نشر العلم والتعليم. في كثير من الأحيان، يكون لها دور محوري في بناء الجسور بين الأجيال، حيث تربي وتعلم الأجيال الجديدة وتزرع فيهم قيم العلم والعمل والاجتهاد.
لكن رغم هذه الإنجازات الكبيرة التي حققتها المرأة في جميع المجالات، فإنها لا تزال تواجه تحديات لا حصر لها في العديد من المناطق. التمييز على أساس الجنس، العنف ضد المرأة، والفجوات الكبيرة في الأجور، هي مجرد بعض من القضايا التي ما زالت المرأة تُكافح من أجل التغلب عليها. ولا تقتصر هذه التحديات على الدول النامية فقط، بل إنها موجودة في العديد من الدول المتقدمة أيضًا. حتى في المجتمعات التي تحققت فيها بعض الحقوق القانونية للنساء، فإن الممارسات الاجتماعية والعادات الثقافية تظل عقبات أمام تمكينها الكامل.
في العالم العربي، تُعتبر المرأة الفلسطينية والمغربية مثالين قويين على كيف أن المرأة يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. المرأة الفلسطينية، على الرغم من كل الصعاب التي تواجهها تحت الاحتلال، أثبتت أنها رمز للصمود والقدرة على المقاومة. فهي لا تقف عند كونها مجرد ضحية للمصاعب، بل هي ناشطة في المجتمع، وتُربي أجيالًا على الصمود والمقاومة. وهي تعمل في جميع المجالات سواء في السياسة أو التعليم أو الثقافة، وأصبحت أحد الأركان الأساسية في المعركة من أجل تحرير الوطن ورفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني.
أما المرأة المغربية، فقد تمكّنت من تحقيق تطورات ملحوظة في حياتها الاقتصادية والاجتماعية بفضل الإصلاحات القانونية والمجتمعية التي ساعدتها على اقتحام مجالات كانت تُعتبر سابقًا حكرا على الرجال. نرى اليوم المرأة المغربية في مواقع متقدمة في الحكومة، في البرلمانات، وفي مجال الأعمال. المرأة المغربية لا تقتصر مشاركتها على المجالات التقليدية بل دخلت مجال الأعمال والابتكار، وأثبتت جدارتها في تحدي العقبات التي كانت تقف أمامها. إن قوة المرأة المغربية هي انعكاس للتحولات التي شهدتها المجتمعات العربية نحو تحقيق العدالة والمساواة.
وفي النهاية، يجب أن نتذكر أن تمكين المرأة هو مسألة ضرورية لا تتعلق بجانب واحد من جوانب الحياة، بل هي قضية تشمل جميع جوانب الحياة الاجتماعية، السياسية، والاقتصادية. إننا بحاجة إلى أن نُمنح المرأة الفرص المناسبة لكي تُبرز قدراتها بالكامل وتُسهم في جميع مجالات الحياة. فعندما نُطلق إمكانيات المرأة، فإننا نُطلق إمكانيات المجتمع ككل. الاستثمار في تعليم المرأة، وتوفير الفرص لها في جميع المجالات، هو استثمار في مستقبل مشرق وأكثر ازدهارًا. ولا بد من أن نتوقف عن النظر إلى المرأة على أنها نصف المجتمع، بل يجب أن نراها كركيزة أساسية لبناء عالم أفضل.