شكل تعزيز الممارسات الفلاحية المستدامة ومرونة أنظمة “التربة-الماء-النبات” في مواجهة التغير المناخي محور “أيام الاستدامة” التي انطلقت، يوم الثلاثاء بالعاصمة المغربية الرباط وتم إختتامها اليوم الخميس 5 من دجنبر ، بمبادرة من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا)، والمعهد الوطني للبحث الزراعي.
وفي مداخلة خلال افتتاح هذه الأيام، التي نظمت تحت شعار “نحو إدارة مستدامة للتربة والمياه لتحقيق مرونة أفضل للأنظمة الفلاحية في المغرب” بمناسبة اليوم العالمي للتربة، دعا ممثل الفاو بالمغرب، جان سيناهون، إلى تعزيز ممارسات الإدارة المستدامة للتربة مثل الزراعة المباشرة، وتناوب المحاصيل، وإضافة المواد العضوية، والزراعة الحراجية، والزراعة الحافظة.
وأوضح أن “هذه الممارسات تعزز صحة التربة، وتقلل من التعرية والتلوث، وتحسن تسرب المياه وتخزينها، كما تحافظ على التنوع البيولوجي للتربة، وتزيد من خصوبتها، وتسهم في امتصاص الكربون، مما يجعل التربة حليفا قيما في مكافحة التغير المناخي”.
وأشار السيد سيناهون، من جهة أخرى، إلى أهمية توفير بيانات ومعلومات دقيقة عن التربة لفهم خصائصها واتخاذ قرارات حكيمة بشأن إدارتها بشكل مستدام لضمان الأمن الغذائي.
من جانبه، أكد السيد رضوان عراش الكاتب العام لوزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات ، أن “أيام الاستدامة” تتيح فرصة لتقييم تنفيذ العديد من الممارسات الفلاحية بالمغرب.
وأبرز أن المغرب يحتفل باليوم العالمي للتربة لإبراز جهوده في الحفاظ على التربة وإدارتها بشكل مستدام، موضحا أن الاستراتيجيات الفلاحية للمملكة تروم تعزيز نظام تربة-ماء-نبات “صحي ومنتج ومرن” من خلال برامج متعددة، غايتها استدامة التنمية الفلاحية.
وتابع بالقول إنه “من خلال هذا الحدث، نسعى جميعا إلى تسليط الضوء على المبادرات التي تعزز الأداء الأمثل للتربة والمياه الفلاحية، وتقوي الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، وتزيد من مرونة الأنظمة الفلاحية، وتضمن إنتاجا مستقرا ومستداما”.
بدوره أكد السيد المهدي الريفي نائب رئيس جمعية مهندسي الهندسة القروية بالمغرب الذي يرأسها السيد أحمد البواري وزير الفلاحة ، على أهمية التربة كعنصر حيوي لتحقيق الأمن الغذائي، مشددًا على ضرورة الحفاظ عليها من خلال اتباع ممارسات زراعية مستدامة. ونوّه بالدور الريادي الذي تقوم به جمعية مهندسي الهندسة القروية، التي تضم أكثر من 2000 مهندس قروي، في تنظيم لقاءات وندوات علمية تهدف إلى مناقشة قضايا حيوية تتعلق بالمناخ والمياه والتربة.
وأشار السيد الريفي إلى أن الجمعية كانت سبّاقة في مناقشة حلول استراتيجية منذ عام 2005، حيث عقدت لقاءً في مدينة أكادير حول تحلية مياه البحر. واليوم، أصبح هذا النقاش حقيقة ملموسة مع مشروع تحلية مياه البحر في شتوكة، مما يؤكد أهمية دور الجمعيات والخبراء في تقديم رؤى مبتكرة لمعالجة التحديات التي تواجه القطاع الفلاحي.
وتطرّق السيد الريفي إلى أن التربة تعد عنصرًا حيويًا يجب الحفاظ عليها لضمان استدامة النظم الزراعية. وأكد أن الحلول البديلة التي تطرحها المؤسسات والجمعيات العلمية، مثل اعتماد أساليب الزراعة الذكية وتحسين إدارة الموارد المائية، تُمثّل السبيل الأمثل للحفاظ على هذه المادة الحيوية. ودعا إلى ضرورة دعم المؤسسات المعنية للمشاريع التي تساهم في حماية التربة، بما يضمن مستقبلًا أكثر استدامة للزراعة في المغرب.
من جانبه ، أوضح مدير المعهد الوطني للبحث الزراعي، فوزي بكاوي، أن “أيام الاستدامة” تهدف إلى تعزيز الحوار بين الجهات المعنية، وتعزيز الكفاءات المحلية لضمان إدارة فعالة ومستدامة للتربة والمياه، استجابة للتحديات المتزايدة للتغير المناخي والأمن الغذائي.
كما شدد السيد بكاوي على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة للحفاظ على الموارد الطبيعية، موصيا بفهم كيفية إدارة التربة بشكل مستدام في ظل سياق يعرف تطورات سريعة ويشهد حاجة ملحة للقضاء على الجوع وضمان الأمن الغذائي.
وأكد الدكتور رشيد مصدق الباحث المتميز بالمعهد الوطني للبحث الزراعي وإيكاردا، في تصريح صحفي ،على أهمية اللقاء التواصلي المنظم في إطار فعاليات “أيام الاستدامة”، الذي يهدف إلى تسليط الضوء على محور بالغ الأهمية، ألا وهو التربة الزراعية. وقد أوضح الدكتور مصدق أن اختيار هذا الأسبوع لتنظيم هذه الفعالية يأتي تزامناً مع اليوم العالمي للتربة، الذي تسعى من خلاله مختلف الدول إلى تنفيذ برامج توعوية تسلط الضوء على أهمية التربة، وخصوصاً التربة الزراعية.
وأشار السيد مصدق إلى أن الهدف الرئيسي من هذه الأيام التحسيسية هو مشاركة التجارب والخبرات بين مختلف المتدخلين، من ضمنهم وزارة الفلاحة وشركاؤها، وطلاب المدارس الفلاحية والجامعات. فبفضل العلم والبحث العلمي، يمكن إيجاد حلول مبتكرة تساهم في تحقيق الاستدامة الزراعية والتكيف مع تداعيات التغيرات المناخية التي أثرت بشكل كبير على بلادنا.
وأوضح الدكتور مصدق أن هذه الفعالية ستتضمن ورشات وندوات علمية، بالإضافة إلى زيارات ميدانية لبعض الضيعات التي تعتمد تقنيات الزراعة المستدامة، مثل الزرع المباشر والزراعة الإيكولوجية. وأكد أن الهدف الأساسي هو تعميم هذه الأبحاث والممارسات على نطاق واسع، بما في ذلك جمعيات المجتمع المدني، لتعزيز التعاون وتكثيف الجهود نحو حماية التربة.
وفي إطار الجهود المبذولة للحفاظ على الموارد الطبيعية، أعلن الدكتور مصدق أن العمل جارٍ بالتنسيق مع الجمعية المغربية للتربة ووزارة الفلاحة وشركائها لإعداد قانون خاص بحماية التربة. ويأتي هذا القانون كخطوة استراتيجية لضمان استدامة الإنتاج الزراعي، والحفاظ على صحة التربة والماء كركيزتين أساسيتين لتحقيق أمن غذائي مستدام وفلاحة مزدهرة، رغم التحديات المناخية المتزايدة.
اختتم الدكتور مصدق تصريحه بالتأكيد على أن هذه الأيام التحسيسية تهدف إلى الخروج بتوصيات عملية تُرفع إلى وزارة الفلاحة وشركائها لتحفيز المزارعين على مواصلة الإنتاج مع الحفاظ على الموارد الطبيعية. وأعرب عن أمله في أن تساهم هذه المبادرات في تعزيز الوعي بأهمية التربة وضمان مستقبل زراعي أكثر استدامة للأجيال القادمة.
و للإشارة نظمت هذه الأيام بالتعاون مع وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، بمشاركة مجموعة واسعة من الفاعلين العموميين والخواص، والمؤسسات الوطنية، والمنظمات غير الحكومية، وترمي إلى التوعية بأهمية الإدارة المستدامة للتربة والمياه لمواجهة التغير المناخي وضمان أمن غذائي مستدام للأجيال القادمة، وهو هدف يتقاسمه العالم مع استراتيجية “الجيل الأخضر”.
وتضمن الحدث أنشطة متنوعة لتعزيز الكفاءات المحلية في الحفاظ على التربة والمياه والتنوع البيولوجي، مع التركيز على الممارسات الفلاحية المستدامة والمبتكرة على غرار الزراعة المباشرة، والري الأمثل، والتسميد المعقول.
هذا وتم تخصيص اليوم الأول لتقديم العروض والمناقشات حول الحلول الفلاحية المستدامة، مع التركيز على إعداد ميثاق وطني للتربة وتشجيع الممارسات الفلاحية المسؤولة بغرض تحقيق إدارة مستدامة للتربة والموارد المائية من أجل تحسين استقرار المردودية الفلاحية.
أما اليوم الثاني، فيعقد بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، ونظم على شكل ورشة عمل حول الزراعة المباشرة والزراعة التجديدية.
وتم إختتام “أيام الاستدامة” بالاحتفال باليوم العالمي للتربة، اليوم الخميس ، في محطة أبحاث إينرا-إيكاردا (INRA-ICARDA) في مرشوش، مع تنظيم زيارات ميدانية لمنصات الزراعة المباشرة والتجارب الفلاحية البيئية. وستُبرز هذه الأنشطة الدور الأساسي للتربة في الأمن الغذائي وصحة النظم البيئية، مع تعزيز الالتزامات نحو زراعة مرنة ومستدامة .