لا شك أننا نعيش اليوم في زمن تسوده مظاهر التفاهة، حيث أصبحت هذه الظاهرة رائجة بشكل هيستيري لا مثيل له، تغزو العقول والقلوب عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي مثل “تيك توك” وغيرها. التفاهة أصبحت نمط حياة لبعض الشباب، وأدوات الانتشار لم تعد حكرًا على الثقافة أو الفكر النبيل، بل أصبحت التفاهة تنتشر كالنار في الهشيم، متجاوزة كل القيم الإنسانية والأخلاق التي كانت تشكل يومًا ما دعامة أساسية في بناء المجتمعات السليمة.
مواقع التواصل الاجتماعي التي كانت تُعد وسيلة لتعزيز التواصل والتفاعل الإيجابي، تحولت في معظمها إلى ساحات لعرض المحتوى السطحي الذي لا يحمل أية قيمة تُذكر. تقدم هذه المنصات في كثير من الأحيان نماذج مبتذلة تثير السخرية أكثر مما تحفز الفكر، وتُعرض كأنها إنجازات يجب الاحتفاء بها. يتم التضحية بالقيم النبيلة والأخلاق العامة على مذبح الشهرة السريعة والانتشار الواسع، ليحل مكانها استعراض لا ينتهي من التفاهات التي تخلو من أي مضمون ثقافي أو اجتماعي يثري المجتمع.
ولعل الأخطر في هذا السياق هو أن هذا النوع من المحتوى يجد إقبالاً هائلاً بالخصوص من قبل فئات كبيرة من الشباب الذين يعيشون في زمن سريع، حيث لا يجدون الوقت أو الحافز للتعمق في الفكر أو البحث عن المعرفة. فالتفاهة تقدم لهم الوجبات السريعة التي لا تتطلب منهم مجهودًا عقليًا أو تحليليًا عميق وتجعلهم يعيشون في لحظة قصيرة من الانبهار السطحي الذي سرعان ما يتلاشى مع احلام زائفة.
لقد انتصرت التفاهة، ولكن ليس لأنها كانت أقوى من القيم والأخلاق العامة، بل لأنها وجدت طريقًا سلسًا نحو قلوب وعقول الشباب الذين يعانون من ضياع البوصلة القيمية في عصر استهلاكي يُقدس السرعة والسطحية. الانتصار الذي حققته التفاهة هو انتصار مؤقت ومخادع، حيث تظل القيم الحقيقية هي التي تبني الإنسان وتمنحه معنى لحياته.
لكن السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا هو: هل يمكن وقف هذا الزحف الجارف للتفاهة…؟ لا شك أن التحدي كبير، ولكن الحل لا يكمن في التنديد فحسب، بل في تقديم بدائل حقيقية قادرة على جذب الشباب. لابد أن نعيد الاعتبار للمحتوى الثقافي والمعرفي للقيم، ونعمل على إحياء القيم الإنسانية والأخلاقية من خلال منصات جذابة تواكب العصر وتخاطب عقول الشباب بأسلوب حديث.
في النهاية، قد تكون التفاهة قد شردت القيم الإنسانية اليوم، لكنها لن تنتصر غدًا إذا ما تكاتفنا لنشر النور والمعرفة في وجه الظلام. فمن واجب كل فرد أن يكون حارسًا للقيم، ومروجًا للأخلاق، وباحثًا عن كل ما يثري فكر الإنسان ويرقى بإنسانيته وليس المساعدة في نشر التفاهة والعفن الغير أخلاقي.
#عادل العربي