BELADINEWS.MA
محسن الأكرمين.
إن لم أكن أنا، فمن أكون؟، ذاك السؤال العميق الذي يأتينا من حدود الثقب الأسود في الذاكرة النائمة من الزمن الماضي. لن نستطيع لهذا السؤال استيفاء أجوبة قارة و مقنعة، ولا حتى الجواب عن كنهه المعرفي بغباء، ولكن حين نُريد تقمص أدوار المنجمين في تفكيك أنساق الآليات حتى بالأجزاء البسيطة منها، فقد نتواجد ضمن خانة من بات يُماثل فم الثرثار، والذي يُدمر كل شيء بالإطناب و بالإسهاب في تمطيط المبررات التسويغية.
ما يضحكنا من هذا سؤال 🙁 إن لم أكن أنا ، فمن أكون؟) و الذي قد يجده البعض منَّا غبيا بحد غباء عقل الإنسان المحدود في الزمان والمكان، وقد يماثل سماع صوت رجل ميت في كفنه الأبيض، وينتظر بدايات ختم الدفن والدعاء. سؤال الرجل الميت الذي يتشبث بقشة الخلاص (هيهات ثم هيهات !!!)، و يريد أن يستغل بطولات النهايات لا البدايات، وهو يبحث عن جواب القسط الثاني من السؤال: (فمن أكون؟) ويزيد من نهم التساؤلات: هل أنا في روضة الجنة؟ كيف لي أن أهرب نحو النور بلحاف الموت الأبيض؟ حقيقة مطلقة، المسكين لا يقدر الانزياح أو التململ من مكانه، ومن مصيره الحتمي، لكنه يُشبَّه له أنه يرى جميع الأحياء يوجدون في الظلام !!! ما دامت أن الرؤية العينية الذاتية قد سرقت منه، وهو بالضبط من يتواجد في انعدام فسحة الرؤية !!! فقد يكون صاحب سؤال (فمن أكون؟) يفكر حتى في حتمية موته بأنانية مطلقة لم يفارقها بتاتا في حياته الفانية، وكأنه البطل لكنه في الحقيقة كان عبدا مطيعا للأبطال الحقيقيين. كان سؤال (فمن أكون؟) يسافر بين الأزمنة والأمكنة سريعا، وبين بيانات صفحات كتاب يمينه وشماله من أحداث الماضي إلى حاضر نهايته، وهو بتفكير الثقب الأسود ونهاية عمره بالدفن ينشغل بلا نتائج، كانت حينها بدايات الحياة الدائمة تتحد بالمساءلة والمحاسبة.
تفكيره صاحب سؤال (فمن أكون؟) في تلك اللحظات الحاسمة، كان يماثل تفكير السمك الذي يستبيح الرضا بالتعفن في الرأس من شدة اختلاط الصالح والطالح، حيث يكون شديد البحث عن فجوات الثقوب غير السوداء لكي ينتهي من الشدة في العقاب نحو سعة عيش النهايات، والتي باتت تُلازم كفنه الأبيض، و تُطارده بلا هوادة بقياس ميزان الخير والشر. حتما، لم يتأت له الكشف عن الثقب الأبيض الذي يدفع الدناسة بعيدا حتى تنجلي ذاته بيضاء ناصعة عند الحضور في احتفاليات الحزن وعمليات الدفن بريئا، بل كان صاحب سؤال (فمن أكون؟) يردد وبلا صوت مسموع عند من حضر سنة العزاء: أين ما كنتم أريد أن أبقى معكم؟ إنها بحق أنانية التمسك بالحياة، وبالبطولات والتي كان فقط جسرا طيعا لها !!!
من قريب جاءه صوت من الخلفية غير المرئية، وكان جوابا مربكا ومخيفا: يبدو أننا شيئا ما في الجحيم !!! ويجذبنا الثقب الأسود بقوة !!! ولسنا ممن يدفع به الثقب الأبيض نحو شعاع نور!!! تراجع سمعه لحظتها مثل الأصم، حين تأكد أنه ولد لأكثر من مرة، ولديه أكثر من اسم في دنيا (لم أكن أنا) !!! وبات التأسي يبدو عليه بالارتباك والخوف من تلك المآلات السيئة، وهو لازال حبيس كفنه الأبيض، وبلا حركة ممكنة، ولا دفوعات سجالية، ولا حتى سميع من إنسي يفك عنه لثام الخاتمات والنهايات، ويسانده في أجوبة سؤال (فمن أكون؟).
فكر في ترك (الجمل بما حمل !!!)، وبأن يدفع بذاته نحو التيار البحري الجارف نحو روضة أمان، و يتخلص من تلك الصخرة التاريخية التي تمسك بها حد النواجذ، ولم تقدر على حمايته بتاتا من لطمات الموج غير السارة. حينها اكتشف أنه قد يكون من الناجين بتجربة مقايسة (الخير والشر) والتخلص النهائي من سؤال: إن لم أكن أنا، فمن أكون؟ حتما، لن يكون هو البطل الخرافي، بل قد يبقى يتشبث بالقشة الضعيفة، ليعلن يوم الختم أنه كان الخاسر الأكبر في ركوب أمواج البطولات في بحر الظلمات.





