محسن الأكرمين.
في العودة إلى المدرسة عودة لسؤال: أين توقف الإصلاح الهيكلي للمنظومة التربوي؟ وأين هي البداية؟ إصلاح الإصلاح والامتداد الزمني الذي لن ينتهي، يتجدد عند كل موسم دراسي. من فرحة العودة، كان تلاميذ جيل (ما بعد الاستقلال) يتغنون بنشيد (مدرستي الحلوة…)، فيما اليوم فقد باتت المدرسة تشكل ذاك الكابوس المفزع للأسر والتلاميذ على السواء، وحتى الأستاذ(ة) وهيئة الإدارة فقد باتوا في مرمى من حجر إكراه عوز (تضخم) العودة إلى المدرسة (كما كانوا قد طلقوها بالفرحة عند محضر الخروج !!). عودة قد تكون في ظل الاختلال البنيوي المتفحم بالتقادم في مفاصل المؤسسات، وما تم تسريبه من فصول وترتيبات نظام أساسي لم يعالج المشاكل في عمومياتها الكلية !!
يعود التلاميذ إلى الفصل الدراسي، وهُمْ في انشغال تام بلهو العطلة وتعطل التفكير، ورَبْو تام في ميزانية الأسرة، وامتلاك مُحولات التفاهة الإليكترونية وتبعاتها !! يعود التلاميذ بتلك الخطى البطيئة لاقتحام أبواب المدرسة (من أجل مدرسة ذات جودة للجميع !!)، وكأنهم في عَوْد دخول نحو الاعتقال الطوعي، بعد إفراج سراح العطلة. تعود هيئة الإدارة والهيئة التربوية بمتمنيات الأمل والحلم والتجديد، لكن في دخول الموسم الدراسي الجديد يتشكل حديث التخوف من تمفصلات النظام الأساسي الجديد لموظفي الوزارة، والذي يتمتع بمضامين (مجحفة)، تغرق في التمويه، بدل الحلول الإجرائية. وقد يتساءل البعض : أين هي لائحة العطل؟
حقيقة، لم تكن هنالك (مدرسة حلوة) في الواقع الوطني، إلا في أحلامنا وتمنياتنا العامة. لم تتحقق هذه المدرسة الحلوة (الطوباوية) إلا في نشيد (قولوا معانا يا لي تحبوها… تحيى مدرستي الحلوة…). لم تبق هنالك مقاربة الإنصاف والمساواة إلا في حق الولوج إلى الصف الدراسي، بينما الفروقات تظل قائمة بين مدرسة العالم القروي والحضري والشبه الحضري (الأحياء الناقصة التجهيز). حاضرة، وتتمسك بخطاب التسويف وصناعة أمل (خارطة الطريق) الجديدة، بل قد يزيد الطين (مستنقعا) تلك التباينات بين التعليم العمومي المنهك بالمتاعب الداخلية والخارجية، والمدرسة الخصوصية لأبناء (القشدة ) الاجتماعية، وأولاد (الفشوش) الجدد.
لن نمارس الضغط بالكسر والتفتيت على حلم الأمل، ولكنا قد ننقل الحقيقة التي جعلت من المدرسة العمومية تعمل على نمط التعليم (الإلزامي)، ولمن وصل سن التمدرس يجد حتما مقعدا، ولو في قسم الاكتظاظ !! لن نمارس سلطة تحطيم المدرسة العمومية من شموخ وطنيتها الأولى، ويتم الرفع من منسوب شأن مدرسة (الخواص) !! ولكنا قد نعلن أن المدرسة العمومية في خطر النكوص وفي غياب مخرجات الجودة !! قد يقول قائل: أن النتائج المتفردة تصنعها المدرسة العمومية (البكالوريا). هنا لا نختلف البتة، ولكنا قد لا نشتغل على جمع القلة، بل نفكر بجمع الكثرة والذي باتت المؤسسات الخصوصية المتنوعة تُنَاورُ عليه بالحيازة، وذلك عبر تقليعات جديدة ( التدريس بالنمط الأمريكي/ الانجليزي/ الكوري …). نعم، معادلة الإنصاف والجودة في (مدرستي الحلوة) لم تتحقق ولن تتحقق. فيما معادلة الجاذبية والجدوى فهو طموح الوزارة والدولة، ولا زالت مدرستي (الحلوة) تُفتش في حجم الرافعات، والمشاريع المندمجة، والريادية الجديدة، وتخطيط خارطة الطريق.
نعم ، مدرستي (الحلوة) أهلكها الإصلاح (غير المتوقف) والترميم و(ماكياج) الصباغة، وغابت عنها سنة التجديد. مدرستي (الحلوة) بقيت في تدبير نمطية المعيارية التقليدية (العمودية)، ولم تقدر على تحطيم حواجز الإخفاق بالاستقلالية و بدايات التدبير بالنتائج، والنهوض الشمولي بمكونات المجتمع المدرسي والاجتماعي.
كل المؤشرات، والتي تصدر من التنسيقيات والجمعيات المهنية (المارقة) عن المؤسسات النقابية، تُواعدُ على موسم (صفيحي) ساخن من الاحتجاز والعصيان المهني. بحق الله، هذا الموسم شعاره البديل (النظام الأساسي لموظفي الوزارة) بامتياز، في ظل غياب معادلة الإرضاء الكلي، وحل المشاكل العالقة بنهايتها. موسم جديد في (مدرستي الحلوة) قد ينطلق بالبطء، في غياب المحفزات المعنوية والمادية، وغياب ميثاق الثقة بين رؤية الوزارة (العمودية)، وبين مسؤوليات الأسرة ومهام المدرسة، وبين معايير نتائج ومخرجات الجودة الوطنية والدولية.
العودة معلومة التواريخ والترتيبات، فيما أداء العودة وأثرها النوعي قد يبقى معلقا لما بعد صدور (النظام الأساسي لموظفي الوزارة). وبعدها قد يخلق هذا النظام الأساسي المرتكز على مفاوضات (0 درهم من الاعتماد المالي) الحدث الملوث للدخول المدرسي، ومن المنتظر أن تتصارع النقابات فيما بينها !! وتصبح (مدرستي الحلوة) قاب قوسين من قرارات التنسيقيات والجمعيات المهنية!!