محسن الأكرمين.
موسم عين جمعة السنوي بأحواز مدينة مكناس، موسم يستقطب حضورا من عشاق الفرجة القروية البسيطة، وبلا منمقات حديثة تستوجب ميزانية للدعم الضخم. موسم بات يشد الحضور إليه وتتبع برنامج اليومي. نعم، الطريق إلى عين جمعة باتت تستوفي السير والجولان الآمن، غير مقاطع منها لازالت تعاني وتنتظر الترميم والتكميل. في مدخل الجماعة لم تتغير المعالم الكلية، ولم يتم البحث عن تجديد تلك البنيات التحتية المتهالكة، والتي تعاني الإهمال منذ الزمن الماضي.
في متسع القرب من السوق الأسبوعي مجموعة من المقاهي تستقبل زوارها اليوميين، على نشوة متبادلة الحديث حور براد شاي. في مدخل الموسم، لم نعلم هل هنالك لجنة أو جمعية تنظم الموسم السنوي لعين جمعة، ولكنا نعلم علم اليقين أنهم رجال عاهدوا الله على الوفاء للقرية، وصناعة حدث أيام الموسم السنوي، وبتطوع مدني.
كل المسالك والطرق تؤدي نحو تجمع الموسم الكبير، حضرت فروع القبيلة الكبرى بأعيانها، وتوزع بناء الخيمات على طول الساحة الموالية لملعب الخيل والتبوريدة. قبل أن نصل إلى خيمة الضيوف والاستقبالات الرسمية، طفنا القرية ذهابا وإيابا بالسيارة لعنا نجد مكانا لركنها، ساعتها وجدنا أنفسنا في قلب الموسم، ونحن نبحث عن خيمة قلب الموسم.
رائحة البارود تُنعش الذاكرة، وتحيي ذكريات موسم الشيخ الكامل والتبوريدة بساحة الزويتينة. رمز الأمازيغ (الفرس البربري) حاضر وبقوة، ويعلن للجميع بصهيله أن البادية المغربية لازالت تعيش أنفة الأمازيغي الكرواني، الذي يجعل من فرسه قوة لخيمته وأسرته، رغم تضخم قفة العيش اليومي.
في الجانب الآخر، كان السوق التجاري يحتضن الزوار الوافدين على الموسم، وهم في شغل البحث عن حاجيات ضرورية جديدة يتم اقتناؤها احتفاء بالموسم. بائع الحلويات ( شكلاطة ماروخا) بالتقسيط كان يوم سعده بتجمع الأطفال عليه لقضم قطعة من ( شكلاطة ماروخا) التي عشقناها جميعا ونحن صغار السن. حتى (مول) القهوة والشاي يأتيك إلى مكانك، فالموسم قائم بذاته ولا يحتاج إلا للتطوير وبناء مؤشرات التسويق، وخلق مسابقات تستقطب القبائل من خارج كروان.
في الخيمة الرسمية، كانت فرق (أحيدوس) تتناوب على الأداء وتقديم العروض الفنية، كان (البندير) الصناعي يدق بالتناغم بين مكونات الفرقة. من براءة الموسم والفرق الفولكلورية فلازالت واجب (الغرامة) وتعليق ورقة مالية على عمامة (المايسترو) قائمة، بحق كانت المباهاة في إخراج الفئة المالية (الزرقاء) و(القرفية)، مما يزيد البندير (الدف) دقة متناغمة، والإتيان عند رئيس الجماعة بالبندير المقلوب لتقديم (الفتوح). من الملهاة وبالمستملحات حين قال لي صديقي (قَرْبَاتْ نُوبْتْنَا، فين الجلابة والعمامة !!) علمت قصده حين كان أحد أعيان القبيلة يحمل رزمة مالية زرقاء، ويوشح بها كل أعضاء الفرقة.
في صف الفرقة (أحديوس) كان رجلا خارجا عن المكان والزمن، رجلا يعشق الرنة الموسيقية، وانخرط فيها بكل جوارحه الداخلية، بحق تتبعته جيدا فوجدت أنه منهمك بالسليقة في الفرقة، وما هو إلا يوم الموسم الذي يجمع الأحباب وفروع القبيلة الكبرى. أما في الليل فقد كانت فرجة (إمديازن) حاضرة وممتعة.
سقط الفارس عن صهوة فرسه، فكانت السقطة آمنة بالحمد والسلامة، كان البارود مرات يأتي بدون ما تتمناه (السربة)، ومرات عديدة متناسق، يجعل من حضر الموسم يتساءل عن قائد (السربة) ومن أي فرع هي من قبيلة كروان ومحيطها الاجتماعي. حين تكون (السربة) قد أدت الطلقة بامتياز تنال مرافقة العودة بنغمات (الغياطة) احتفاء بها، وما نيل العطايا بالتمني ولكن تأتي بالممارسة والتدريب على الأداء، وحتى قائد (السربة) يكرم العطاء (للغياطة).
قد يكون الموسم في أعوامه الأولى سبيها بموسم (الولي الصالح الشريف الشيباني)، لكن لا بد من التفكير في التطوير والأداء والتسويق الثقافي للموروث اللامادي، لا بد من فك العزلة عن مركز القرية بالتحديث وإصلاح الطرقات والترصيف والإنارة الجيدة، لا بد من هيكلة السوق ومنافذ القرية وجعل الموسم موسما لتديم الجديد والاحتفاء بكروان الكبيرة.