أعجبني حديث محاضر الحلم فنمت قرير العين في غدق عيش الرفاه بالمتمنيات الفسيحة الوردية، وقلت في نفسي الحمد لله، اليوم لن تُنفض أغبرة مكناس أمام أنوفنا، ولن نلزم أنفسنا ذكر الإخفاقات التي استطالت وبات الكل يحصي حفرها ويعدد مصابيحها المعطلة.
أعجني حديث محاضر الرياضة عن رؤية التغيير بالمدينة، ولو بالمستوى الأضعف وبالقلب المتأسف عن منكر الفساد المستشري. لحظتها بين حلم المستقبل والقلب استفقت عند حدود الإخفاقات التي تعانيها مكناس. من الجانب الآخر قال متابع: كل المدن تعاني، ولكن الأمر يزيد مكرا بمدينة الأحاجي والطواحين السياسية التي ما طحنت غير الهواء بالفراغ التنموي !!
أعجبني المحاضر حين تساءل بالاستفهام: ماذا نقول عن مدينة مكناس؟ كنت حينها أفكر أن سيجمع مذكرته وينسحب من المحاضرة حنقا عن مدينة السلاطين!! تساءل مرة ثانية: كيف ترى مدينتك أنت والآخر؟ تأسف قليلا عن طقوس جلد الذات الذي يمارس على المدينة، وقال: لن أنجر لزاما لممارسة هذا الطقس السحري الفاضح!! أعجبتني المداخلة حين كانت تفتش بالقنديل و (الفتاش) التقليدي عن جودة العيش والصورة الحضارية بالمدينة، فلم تعثر عليهما إلا في الزمن الماضي.
أعجبني صديقي حين رأى أن الفساد ينتظم وفق (كارتل) مساندة ولا ينقسم إلا عند توزيع (وزيعة) المدينة، ثم يعود التحالف نحو التضامن وفق أخوية الريع (حلال). أعجبني حين رأى أن الحكامة ومحاربة شر الفساد لم يتوحد حتى هو تنظيميا لمناهضة ما هو حادث وقادم من الفساد المريع بعيش جودة الحياة.
أعجبني المحاضر حين أعياه البحث عن ملاجئ الحلم، فبات يفكك نُفُوقَ القيم والجمالية الحضارية بالمدينة. بات صوته يتغير رنة، وملمح الابتهاج يسير نحو وضع اليد في كيس ثعابين المدينة الشداد من نوعية (الكبرى) المتذمرة واللاسعة لكل أفق التغيير. بات المحاضر يفتش عن تلك الرؤية الإستراتيجية المنسقة بالتقاطع بين ما هو وطني وجهوي ومحلي، فلم يجد غير غياب الالتقائية، والكل في بحر المشاكل يتعلم سباحة التدبير اليومي للمشاكل فقط.
أعجبني صديقي في مداخلته حين أقر أن المدينة (غاديا بالعشوائية)، وبأن كثرة التشخيصات أنهكت المدينة بالإعياء، ولم يقدر أحد الترافع عن المدينة والإتيان بالمال العام الوطني للمدينة بالمماثلة مع مدن حظوة الدولة الحدودية. حين أقر أن الفاعلين السياسيين والاقتصاديين يتحنطون بالنفعية، وبناء سدود التموقعات.
أعجبني قول المحاضر حين جمع بين ضفتي وادي ويسلان ووادي بوفكران والمدينة تفتقد للمساحات الخضراء بعمليات القسمة بين المساحة الكلية لمكناس وعدد الساكنة. توقفت عن التفكير واستمعت حين أقر أن عمليات التثمين جاءت متأخرة لأسوار المدينة، حتى بات غياب الوعي (الفردي والجماعي) يفسد جودة العيش والتراث المادي واللامادي بمكناس. أعجبني حين توافقت معه في غياب التواصل الفعال بين مدبري تثمين المدينة العتيقة والساكنة، حتى باتت المدينة محتلة، ويمكن أن تستنبت (كشكا) في أي نقطة من شوارع المدينة.
أعجبني صديقي حين أقر أن إكراهات المدينة يماثل كل الجوانب المجالية، وبات الخلاف والفساد يستوطن الرياضة بمكناس. أعجبني حين تساءل عن أسباب غياب الحكامة ومساءلة (الكاوية) الحسابية. حين رأى أن الحديث داخل القاعة بات يجانب الحقيقة، وبات الطعن في الأعراق والأجناس شوفيني، رغم أن الدستور يتحدث عن الهوية المنفردة التي تذوب لزاما في الهويات المشتركة الوطنية. أعجبني حين أقر أن الحديث اليوم حديث مؤسساتي دستوري لا حديث عن عقليات القبلية البائدة.
أعجبني المحاضر المهندس العمراني حين أكد على صناعة الإنسان قبل إنشاء التهيئة العمرانية، حين تأسف على أن المدينة لم تُبْنَ على المدينة نفسها، وبات التوسع (الأعوج) شبيها بالتجمعات السكانية التي تفتقد قيم وقيمة الأحياء الاجتماعية والحضارية. أعجبني حين رأى أن المدينة الذكية بات من المستحيلات غير المعدودة في الحساب. حينها كانت مداخلتي تنفض ما علق من الآهات عن مكناس الطيعة الصلبة، كانت تراقص الحلم الذي وعدنا به المحاضر المهندس، لكن غير المسار كليا، وأمطرنا بحقيقة مدينة مغيبة عن التنمية الوطنية والرفاه الاجتماعي.