محسن الأكرمين.
لن نقول ببؤس وضعيات الثقافة و موت المثقفين السريري، بل نقول بثقافة جيل الأسياد وعبيد التصفيق. نقول بغياب قدرة البناء الإيديولوجي الرصين، والربط بين الأثر الثقافي وانتظارات المجتمع. نقول بأن الثقافة سواء كانت إبداعا أو نقدا تعيش سوء لحظات الاحتضار من فقدان الوعي وتضييع الاختيارات الرزينة والجذرية. نقول بأن التحولات النوعية والكمية المتسارعة صنعت جيلا يبني ثقافته من فراغ العدم، ويبني قيما غير سوية .
حقيقة غير ناضجة بالتمام، حين باتت لدينا سلع رائجة من ثقافة المديح والتصفيق، حين بات النقد البناء تغلق عليه بوابات حبر توصيل النصيحة والضبط، وتفتح بمتسع الزاوية المفتوحة الأخرى محبرة مداد المديح والإثراء المغنج الوضيع. فحين غاب المثقف عن الممارسات النقدية البحثية، حين يبقى المثقف حبيس علامات ورموز جيل تأبط شرا، حين أصبحت صالونات الثقافة تقام بالكلفة المغلقة والدعوات التفضيلية، حين بات مثقفو المدينة يتحركون وفق أحلاف. حين أصبحت الكلمات محبوكة مثل منسج جدتي تقال بالتبعية، وتوزع التسميات والمكانات وفق التضليل الأدبي الرخو. حين أصبح المثقف يشتغل وفق أساسيات الكولسة والغرور النفعي، ويصنع لنفسه زاوية المهابة الذرية، نقول لزوما بأن الثقافة باتت في خبر كان المبني للمجهول.
قد يكون الاحتكاك النقدي الواقف عند باب الحقيقة بلا محاباة بلسما مداويا باسم الثقافة، لكن إن كان التدافع جزءا من بناء المريدين والأتباع، فعن الثقافة أكرر القول بأنها باتت في خبر كان بالتقدير الصرفي العليل.
ملاحظات أليمة تستوقفنا بالجمع، هي نفسها الملاحظات الملغومة من سوق نخاسة الثقافة الجديد، والذي يحمل عناصر بنية النقد المغنج بالإثراء ولا يستوعب الحقيقة التاريخية القاتلة للفعل الثقافي، سوق ثقافي يرش الورود على كلمات الظل، إنها حقا ثقافة التضليل التي تفتقد إلى عناصر”الذائقة الأدبية” السليمة للذات والآخر والوسط الاجتماعي.
نعيش تحولات التغيرات غير البريئة من خلال نبوغ إعلام التضليل، تنمية التسويف والتضليل، ديمقراطية التسويق والتضليل. هي سياسة التضليل الملازمة لنا و التي يمكن أن تصنع جيلا من مثقفي السذاجة و”البحلسة”. هي سياسة التضليل الثقافي بشمولية اللفظ و التي نالت من الواقعية والموضوعية معولا ناسفا.
لن نقول ببؤس وضعيات الثقافة وموت المثقفين السريري، ولكن نقول بعمليات الإحياء والتجديد الثقافي المستعجلة اللازمة، نقول بالمثقف العضوي”الذي يمنح الوعي ويصوغ التصورات النظرية العامة …”، والذي يجعل من المجتمع مشتلا لصناعة أريج الحقيقة والواقعية والموضوعية، نقول بمثقف يتجرد من الذات والأنانية والغرور المغنج نحو امتلاك حلول للتنمية والعدل والكرامة والوفاء للوطن والطبقات الاجتماعية.