متابعة للشأن المحلي بمكناس محسن الأكرمين.
بين احتفالية قصر الحفلات الفخم وتدبير مقابر المدينة بمكناس بَوْنٌ شاسع بالمفارقات، وهنا تقع الإشكالية الكبرى في ترف أنشطة الأحياء بالبذخ، وفي البحث عن شراكة العناية بمقابر المدينة بلا بنود اتفاقية (شراكة) واضحة المعالم وبينة المخارج. قد أعيش السوء من بعض المظاهر الجديدة التي تبحث عن احتلال الملك المشترك في مقابر الموتى كما في الفضاءات العامة. قد يَحْمِلُنِي التأسي حين أُمْسِي أُشَاهِدُ بعض الجمعيات المدنية تتحكم في المساجد ومواضع الصف الأول بالسجاد الدائم، والأسماء المعلومة، اليوم تصل العدوى بالتمام نحو مقابر المدينة، عبر النقطة (21) من دورة فبراير، والمتعلقة (الدراسة والموافقة على اتفاقية شراكة بين جماعة مكناس والجمعية الإسماعيلية لحفظ التراث والذاكرة ودعم إصلاح المساجد وصيانة المقابر)، وكذا توابع النقطة (20) المتعلقة (القرار التنظيمي المتعلق بتدبير وصيانة المقابر بجماعة مكناس المعدل للقرار رقم 587 الصادر بتاريخ 08 فبراير 2017 والمتعلق بتنظيم وتدبير المقابر الجماعية بمكناس). نقطة فريدة من نوعها في ظل الفراغ القانوني الذي يجعل الإشراف على مقابر المدينة مشتركا بين وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والعناية (فقط) الملقاة على عاتق الجماعات الترابية. ففي صياغة هذه النقطة (20) يظهر التعويم ويتشكل مفهوم (التدبير) لتصبح الجمعية الملحقة بالنقطة (21) تتحكم في المقابر وفق وضع اليد ما بعد (الدراسة والموافقة) !! من العيب القانوني في هذه النقطة (21) حين يفوض مجلس الجماعة تدبير مقابر المدينة، وهو لا يمتلك فيها حق شبر من أرض هي حتما في ملكية وزارة الأوقاف، فهل مندوب الأوقاف بمكناس سيوقع على هذه الشراكة باعتباره ممثلا للوزارة ؟ أم سيضع تعرضا اعتراضيا !!
فَبِمُوجب الظهير الشريف رقم 1.09.236، فإن المقابر الإسلامية تُعتبر وقفاً عاماً إلى جانب المساجد والزوايا والأضرحة، وتتولى إدارة تدبير شؤونها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. هنا قد نجتهد ونقول: بعيب الترامي على الاختصاص والمسؤوليات وملك الأوقاف، فهدف المشرع جعل من المقابر تعود ملكيتها لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لا إلى ملكية الجماعات، كي لا تستغل لا سياسيا ولا هبة موقوفة في (شراكة) تماثل الصفقة، في انتظار زمن (الخوصصة).
حين تتصفح (كناش) الشراكة (21) تجده يحمل مقاييس القبور ويطنب في التنظير، فيما الأمر عُرْفٌ شفهي مغربي بامتياز لا يحتاج إلى تنقيط وتدقيق مساحة (شَبَرْ وَرَبْعَاتْ إِصَابَعْ). تجد الشراكة تتأسس انطلاقا من معيارية أوروبية (التنظيم/ التصنيف/ الطول/ العمق… واللاءات الكثيرة)، في حين أن جل مقابر مكناس هي من العهد القديم للأجداد، وتُرتِبُ الدفن حسب عُرف غير تعاقدي.
من الخفايا التي يتم القفز عليها في تمرير صفقة (شراكة) المقابر، وسيذكرني التاريخ حين أُلحُ على كلمة (صفقة خوصصة)، أن مجلس جماعة مكناس لم يقم بأدواره تجاه مقابر المدينة باعتبارها قيمة إنسانية قبل أن تكون مدافن، فهي قد تكون جزءا من مشاهد التردي العام بالمدينة، أو منارة تنتظم ضمن المجال البيئي العام. وأن المجلس يُغيب آلية إحداث (شرطة المقابر) مثلها مثل كل الشرطات الإدارية الأخرى… بمعنى أن وظيفة رئيس المجلس الجماعي في هذا المضمار لا تنحصر في منح الدفن… ونقل الجثث بل تمتد كذلك لتنظيم هذا القطاع، مؤسساتيا ورعاية وتنظيما.
الآن بمكناس تبقى المقابر تعيش الإهمال، ولا تطبق منشور وزير الداخلية رقم 83 ق.م.م/ بتاريخ 29 مايو 2000 ، موجه إلى السادة الولاة وعمال عمالات وأقاليم المملكة حول تدبير المقابر الإسلامية والمحافظة عليها وصيانتها. فلا يُعْقلُ بأي حالة اعتبار المقابر مجالا (ميتا) لمجرد أنه يأوي الموتى، بل هو جزء حي من الذاكرة الفردية الأسرية والاجتماعية، والهوية المشتركة للفضاء والزمن.
اليوم نوصي بتفعيل القوانين المتعلقة بصيانة المقابر دون تفويتها كصفقة غير مفصلة المضامين بالتبيان الممل. صفقة (شراكة) بدون دفتر تحملات توضح ببند عريض وخط مضغوط ( أن مدافن المدينة بالمجان، ولا سند قانوني لأي كان في استغلال مدافن هي في ملكية الأوقاف). دفتر تحملات ينصص على تكفل الجمعية المذكورة بالنقطة (21) بإجراء دراسة ميدانية ديموغرافية تعمل وفق معطياتها على إنشاء مقابر جديد، وتطبق فيها رؤيتها (الموصوفة في الشراكة) بكل أريحية. دفتر تحملات يوضح ما ستفعله الجمعية في مقابر المدينة، من غير النظافة والحراسة !! وما قيمة تدخلاتها ؟ اليوم دينامية المغرب الجديد يحتاج إلى هيئة إيكولوجية تهتم بفضاء المقابر لوجه الله خاصا، وليس إلى جمعية قد لا تقدم خدماتها مستقبلا بالمجان.