أقلام حرة

تكافؤ الفرص أساس العدل..


بقلم عادل بن الحبيب

قد يبدو مبدأ تكافؤ الفرص، و هو حالة من العدل يعامل فيها الأفراد بالمثل، ولا تعيقها أي حواجز أو تحيزات أو تفضيلات مصطنعة، لأول وهلة مبدأ واضحا ومعقولا، وقد يبدو أيضا سهل التطبيق، ولكنه يثير فى الحقيقة من المشكلات الأخلاقية والعملية ما قد يبعث اليأس من إمكانية تحقيقه.

إن فكرة تكافؤ الفرص، برغم ما يبدو عليها من بساطة ووضوح، تستند فى الواقع الى مفهومنا للعدل، وهذا المفهوم ليس بالبساطة أو الثبات اللذين نتصورهما، فالقول بضرورة تكافؤ الفرص، معناه أن من الضرورى فى معاملتنا للناس استبعاد العوامل التى يعتبر من الظلم السماح لها بالتأثير فى هذه المعاملة، نعم يجب أن ينجح الأفراد أو يفشلوا بناء على جهودهم الخاصة المبذولة لا على أساس ظروف دخيلة ، نحن نجد من السهل الآن أن نعتبر من الظلم أن تختلف معاملتنا للناس بسبب اختلافهم فى الدين أو الجنس أو لون البشرة أو المركز الاجتماعي، وربما أيضا فى الدخل والثروة، ولكن الأمر لم يكن دائما كذلك، بل ومازالت توجد صور صارخة للتمييز فى المعاملة حتى الآن، بسبب هذه العوامل و غيرها.

التفاوت فى الدخل والثروة و المكانة ، من أهم أسباب عدم تكافؤ الفرص، حيث ان اغلب الجامعات و و المعاهد تطلب مبالغ خيالية من أجل الالتحاق بها، فأين تكافؤ الفرص بين الطالب الثري والطالب الفقير، اذا توافرت لديهما نفس الدرجة من الذكاء والهمة؟

ولكن المشكلة تصل الى أبعد من هذا، إن مسألة الثراء والفقر والمركز الاجتماعى للطالب وأسرته، لا تؤثر فقط فى القدرة على دفع نفقات الالتحاق بالجامعة أو العجز عنه، بل قد تؤثر على الاستعداد الذهنى لدى الطالب لتلقى أو استيعاب ما يتلقاه من دروس، إن الطالب الفقير، أو الذى ينتسب الى أسرة متواضعة الدخل، يدخل الجامعة محملا بأثقال لا يمكن أن يعتبر مسئولا عنها، قد تتعلق بما اذا كان أبواه أميين أو متعلمين، يعيش فى بيئة تساعد على تحصيل العلم أو لا تساعد على ذلك..

ولكن الإخلال بتكافؤ الفرص قد يرجع الى أبعد من هذا أيضا، وذلك من خلال وضع قواعد للقبول في الامتحانات ، والتي قد تكون متحيزة للفئة المحظوظة بالاضافة الى مايصاحب تلك الامتحانات من محسوبية و زبونية لفائدة نفس الفئة.

نحن واثقون من أن الجميع ، عبر عشرات السنين الماضية، لا يحصل على «فرص متكافئة» سواء خلال مراحل دراسته او خلال اجتيازه لامتحانات التوظيف . كما أن مبدأ تكافؤ الفرص لا يجب أن يقاس بما يتاح الآن من فرص متساوية، بل يجب أن يدخل فى حسابه أيضا تاريخ طويل من المساواة أو التمييز بين الناس، ومن ثم لا يجب أن نشعر بالزهو بما قد نتيحه الآن من تكافؤ فى الفرص، اذا كانت النتيجة تتأثر فى الحقيقة بما ارتكبناه من ظلم فى الماضي و الحاضر.

نعم، لقد حققنا عبر عصور التاريخ بعض التقدم فى فهم وتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص، ولكننا بلا شك قد ابتدعنا صورا أخرى للإخلال بهذا المبدأ، إن المال أصبح يلعب دورا أكبر فى التمييز بين الناس مما كان يلعبه منذ خمسمائة أو ألف عام، وكذلك المكانة الاجتماعية ، وقد أدى بنا هذا وذاك ليس فقط للإخلال بتكافؤ الفرص فى الواقع، بل وأيضا جعلانا أكثر استعدادا لصرف النظر عن هذا الإخلال به.وهذا يؤدى بنا الى القول، بإن مبدأ تكافؤ الفرص لا يختلف كثيرا عن مبدأ المساواة التامة بين الناس، من حيث كون كل منهما سرابا خادعا، ما إن نقترب منه حتى نكتشف أننا خدعنا فيه!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار