محسن الأكرمين.
مكناس تتلف المشية فهي لا تماثل الحمامة، ولا هي توازي (تحنقيز) غراب النحس الذي يصيب المدينة كرها عن كره. كانت مكناس تقريبا هي المدينة الوحيدة التي تحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف، عبر موسم الشيخ الكامل (الهادي بنعيسى). كانت بحق قبلة لكل الزوار من مغربنا الحبيب ومن غيره، كان بحق (الميلود يلاقني بأحبابي).
من كل الأحياء كانت تتحرك الطوائف العيساوية (الزيتون/ تواركة / القصبة/ سيدي عمرو/ المدينة العتيقة…)، وتتنافس في الهدايا والتنظيم وسلامة (الدقة العيساوية). كانت المدينة تتحرك بحق في موسم (الميلود) وينتعش الاقتصاد التضامني (البيع والشراء)، كانت ساحة الزويتينة (التي قتلت بسياج مثل المقابر) تعرف كل أشكال الترفيه و(التبوريدة) الآتية من القبائل المجاورة للمدينة والبعيدة (حتى من مراكش) بلا قيد ولا شرط، إلا حبا في إحياء ذكرى المولد النبوي، وإنجاز زيارة الولي الصالح (الشيخ الكامل) الهادي بنعيسى.
اليوم نشاهد كل المدن طورت مواسمها (سلا موسم الشموع) و فاس ( موسم المولى إدريس الأصغر)، إلا مكناس فقد ابتليت بسياسة الإحباط، وتلك النقاشات التي أفسد أفكار العباد و منجزات الأرض، وبات التاريخ عندها يوازي المعيار (التنظيري)، ولا يعترف بالعرف الاجتماعي كمكون أساسي بالمغرب والمدينة. نعم، مكناس تخلت عن موسمها (كرها)، والذي كان بحق (تحفة اجتماعية تضامنية). بعدها قد أفلست حتى تلك الأرزاق التي كانت تأتي إلى المدينة من حيث لا تحتسب !!
فإذا جاز لنا تسمية مكناس بأحد منتجاتها السلبية، فإننا نقول (مدينة الطواحين الهوائية الكبرى)، لأن مكناس تنتج الأقوال بأكثر وتزيد عن الأفعال. بحق لما لا نفكر في تطوير موسم (الشيخ الكامل)؟ لماذا لا نعمل على خلق الاستقطاب السياحي (الروحي) بالمدينة؟ لماذا نحمل معاول النسف ونرمي الجميع (بالشرك)؟ لماذا لا نعيد الكرة ونعيد لموسم الشيخ الكامل بهجته الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية والثقافية؟
قد لا نختلف في بعض الممارسات التي تحيد بعدا عن أصالة الدين، لكن قد نعتبرها من الموروث الثقافي والعرفي الذي سيتم تجاوزها حتما في ظل (الحداثة البعدية) المفزعة. فمن ملاحظات ممارسات (البدع) المستحدثة، استبدال التمسح بأقبية الأضرحة، إلى عادات أسوء التمسح على شاشة هاتف ذكي، وممارسة دور الرقيب والحكم (الحامل للورقة الحمراء) يوزعها كما شاء، ومتى شاء، وينفي ذاته عن متاهات عن وضعية إعاقة (التوحد) المعلوماتي والإدمان على تمسح النقد !!إنه بحق مواسم التمسح بالهواتف الذكية الجديد !!
هي دعوة لإعادة إشعاع المدينة، وفتح الاستفادة من التاريخ ومكوناته، حتى من خلال تسويق تاريخ الخرافة. هي دعوة إلى جلسات معاودة لإحياء التاريخ اللامادي (كما كان). هي دعوة إلى تجاوز تلك الإسقاطات السبقية المتسرعة وغير البريئة، ورمي التاريخ بالشرك والخرافة !! فدولة تركيا السياحية تربح من تسويق الخرافة ما يتجاوز المنتوج الداخلي للمغرب !!
كفا من التبخيس وخلق علامات تشوير بالمدينة وكأنها باتت (الفيراج القاتل) لكل أجزاء الماضي ومتممات الحاضر. كفا المدينة من حمولة حطب الاكراهات. لنفرح حتى بالسذاجة، حتى بالغباء البسيط، وبلا ممارسة المكر مع الناس الطيبين. لنفرح مع بقايا نية الناس البسيطة التي حتما لا تشرك بالله، ولكنها تؤمن ببركات ولي (كان صالحا) وتمارس عادات غير شركية. فالصوفية والتصوف صناعة مشرقية، ولكن تصوف (الجنيد البغدادي) المغربي تصوف سلمي. دعوة للعودة إلى ترتيب الاحتفالات (بموسم الشيخ الكامل) وفق آليات جديدة تمسح (الخرافة) وتترك (للنية) مساحة العيش بأمان واندماج مع الواقع الاجتماعي. لنفكر بتحويل الموسم إلى مهرجان صوفي بمدينة الأضرحة وأولياء الله الصالحين.