متابعة محسن الأكرمين.
من بعيد قد تُفْزعك تلك البناية المحصنة بأعلى هضبة حوض وادي كيتان بمكناس، ولن تعلم غايتها إلا عندما تتطلع على يافطة التخصيص المعماري والهندسي. هي بناية المحكمة الابتدائية الجديدة، والتي باتت تحمل رونقا وجمالية فنية، ومن التنميق الهندسي (العصري والتقليدي) ما يكفي لكي تكون تُحفة معمارية حصينة بالإضافة النوعية. بالمحاذاة من الطريق الوحيدة التي تربط شمال المملكة بجنونها مرورا بمدينة مكناس (قبل إنشاء الأجنحة الطرقية) المبرمجة لاحقا، تنتصب بناية المحكمة الابتدائية الجديدة شاهدة ومطلة على الساحة الإدارية، وعلى أبهى مدينة تاريخية عتيقة مغربية.
اليوم تبدو الأشغال في مرحلتها الأخيرة، من خلال عمليات هيكلة المداخل الأساسية، وترسيم وتشوير الموجهات الإدارية، وقد يعلن افتتاحها قريبا، بعد ملاحظة تلك الأشغال الجادة المتحركة قُدما. ورغم، فقد سبق أن تأسفنا عند توطينها الأول (مقال بموقع مكناس بريس)، في أنها أغلقت تلك الرؤية البارونامية للمدينة العتيقة، لكن الآن، وبعد ملمح جماليتها الفنية، فقد تصبح حتى هي إضافة لمتنوع التغييرات الممكنة بالمدينة.
بناية المحكمة الابتدائية الجديدة قد تفك (نحس) المدينة في غياب بنيات إدارية كبرى. فمكناس ومنذ الزمن المتقادم يغيب عنها التجديد، كما تغيب عنها المنشآت الجديدة (ملعب كبير/ مسرح مريح/ بنيات تحتية كبرى…) للتدشين خلال الأعياد الوطنية الكبرى، والافتخار بأن المدينة تتحرك تنمويا. نعم، بناية المحكمة الابتدائية الجديدة من الإضافات النوعية التي تنتظرها مكناس، و التي تتطلع نحو الانخراط ضمن رؤية المدينة الذكية. هي نقطة مضيئة في غيض من فيض، وتجاوز الإخفاقات التنموية الكبرى التي تعرفها المدينة.
قد تُفكر الهيئة القضائية والمجتمع القضائي الخروج من المحكمة الابتدائية (لالة عودة) التاريخية، نحو متسع المحكمة الجديدة القريبة من محكمة الاستئناف بالساحة الإدارية (حمرية). لكن، قد نغفل بحق التفكير في إعادة توظيف المحكمة الابتدائية (التاريخية). فهنالك مكاتب لمجموعة من المحامين، والمفوضين القضائيين، وكثير من مكاتب رقن الشكايات والناسخين… هم بحق في ارتباط بالمحكمة الابتدائية (لالة عودة). وحين ترحل المحكمة عن ساحة (لالة عودة) ستتوقف عدة أنشطة كانت مرتبطة بالتمام ومنذ الزمن الماضي بها. ستتوقف بعض الأرزاق، وستحدث أزمة تداول الاقتصاد التضامني الإداري الذي تنتجه ساحة (لالة عودة).
لذا، فالتفكير في ترجيل المحكمة من المدينة العتيقة نحو المدينة الجديدة، يقتضي طرح جميع الاعتبارات على طاولة النقاش والتفكير التخطيطي. يقتضي إيجاد الحلول البديلة لكل الحالات الاجتماعية التي تسترزق من تواجد المحكمة بهذه الساحة العريقة. تقتضي التفكير في إعادة توظيف المحكمة في غايات بديلة، وأقربها نقل محكمة قضاء الأسرة إليها، أو جعلها متحفا يستعرض التاريخ القضائي بمكناس.
من الخارج تبدو محكمة الابتدائية الجديدة مستملحة الهندسة، وتبشر بانطلاقة لتحرير المدينة من معيقاتها (التكمشية). تبدو متكاملة البنيات الداخلية، حتى في غياب (المركب القضائي) الكبير. يبدو أن الاستقطاب سيتحول من ساحة (لالة عودة)، وسيربك السير والجولان والتوقف في تلك المنطقة (المنغلقة)، و قبالة الطريق الرئيسية (المحورية)، وكذا في غياب تفعيل مشروع مواقف السيارات (التحت أرضي) بالساحة الإدارية. هي إشارات غير حصرية ويجب استحضارها بالتمام والتكميل عن افتتاح المحكمة الجديدة.