حين يتعب الكلام….

حين يتعب الكلام، وتنقطع فواصل التواصل. يشتد الفكر اشتعالا، ويزيد الرأس شيبا. حين يتعب الكلام، نغدو فجرا نسير بلا توقف إلزامي عند كل العلامات، ولا يمهلنا التفكير المفكك لحظة للتأمل في منطلقات الفرضيات الأولى. حين يتعب الكلام، تشتد اللواحق سوء بالتداخل بين علامتي تنصيص، ولا نتمكن حتى من إيجاد مواقف أرجل متتالية للراحة النفسية، وعودة سكينة الأمن الروحي.
حين نحس أن الحياة غير عادلة، تضيق مساحة تنفس الصدور، وكأنها تتصعد علو سماء. تضيق رؤية الأمل في مسطحات السراب المرير عطشا، وقد يشيخ الكلام عمرا، وهو في ميلاده الأول.
هي الحياة علمتنا أن الصدق من شيم الكرام، وكفى سفسطة. علمتنا أن التجارب عمق بلا ملاح مجاديف متمرس. علمتنا ألاَّ نحارب طاحونة الهواء بلا أكياس أمان واقية من كير حداد نافخ في النار. علمتنا أن المشاكل مهما كانت عسيرة فهي فرص متنكرة وتستلزم حلولا ابتكارية.علمتنا أن الكتابة ما هي إلا طلاسيم من عهد سيدنا سليمان، لبسط حكمه على الجان المارد في الأرض السفلية.


بعد أن يتعب الكلام ، قد يتحرك الحرف برسم كلمات يمكن ألاَّ ينال أحد القبض على معانيها الزالقة، ولا حتى على ألفاظ دلالتها المسرعة في ركض التنحي والتباعد. هي كلمات تتكمش بحروف متوازية، وقابلة للقراءة العكسية، بعد أن يتعب الكلام. هي كلمات قد تصبح تفوح بروح عطر الحياة بلا زهر. هي الكلمات المتممة التي تماثل كسارة حجر التكلس في جبل سيزيف الميثولوجي، ويمكن أن تحدث غيمة دمعة ماطرة تحمل بقايا أتربة تدحرج حجرة العذاب الأبدي عودة في منحدر الجبل.
اليوم قررت الكتابة إليكم ، ولن أستوفي خاتمة لكتاباتي… اليوم فقدت التتمة، والتي كانت بختامها يتزوج الأبطال في قصص كليلة ودمنة. اليوم تتلف الكلمات، ولا تفد عندي بمتسع التطويع والتصوير. اليوم فكرت مليا منذ أن تعب الكلام بين توحد الرؤى واختلاف الموجهات… في ملازمة الصمت، وتذوق حروفي المرَّة على تفكيري وعيوني…