آخر الأخبار
حوانيت عقبة دار السمن والبوليميك المفرط في تسطيح نقاشات التنمية بمدينة مكناس. رؤية عاجلة في لازمة (المِيلودْ يَلاقِينِي بِأحبابِي...) أين يضيع التاريخ اللامادي؟ الهيئات المهنية تُصعّد ضد المشروع "المشؤوم" لإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة وتتوعد بأشكال احتجاجي... طنجة : الدرك الملكي لكزناية يحبط شبكة اجرامية لتوزيع اللحوم الفاسدة ، منها لحوم الحمير والدجاج. الكاتب العام لعمالة تنغير يترأس حفلا دينيا بمناسبة المولد النبوي الشريف وزارة الصحة تحاور نقابات الصيادلة والصيدليات في أفق إصلاح القطاع حموشي يتفقد الترتيبات الأمنية بملعب الأمير مولاي عبد الله استعدادا لتأمين مباراة المغرب والنيجر وتصف... السيد عبداللطيف النحلي عامل صاحب الجلالة على إقليم الخميسات يترأس مراسم إحياء الحفل الديني في ذكرى ا... الكاتب العام لعمالة مكناس يترأس حفلا دينيا إحياءً للمولد النبوي تقرير حول توقيع اتفاقية شراكة بين مؤسسة طنجة الكبرى والجمعية الرياضية تولوز لكرة القدم داخل القاعة

رؤية عاجلة في لازمة (المِيلودْ يَلاقِينِي بِأحبابِي…) أين يضيع التاريخ اللامادي؟

[بلادي نيوز]6 سبتمبر 2025
رؤية عاجلة في لازمة (المِيلودْ يَلاقِينِي بِأحبابِي…) أين يضيع التاريخ اللامادي؟

Beladinews.ma
محسن الأكرمين (إعادة النشر).

انتهت منصات عرض فعاليات مهرجان عيساوة مقامات وإيقاعات عالمية (مكناس أرض التصوف/ الدورة الخامسة !!!) بما لها وماعليها من فجوات !!! حقيقة تاريخية منذ البداية، أن مكناس لم تحسن اختيار مهرجاناتها بالأداء والأثر في (الزمن/ المؤشرات/ التكلفة/ البعد الثقافي/ البعد السياحي/ المتغيرات الاجتماعية/ الربط بين الحاضر والمستقبل وما بقي من أثر الماضي …) إلا بالقلة القليلة، فهي تقعد القرفصاء في مناطق التجريب لا الإرساء والتطوير (التراث والاختلاف) !!! لم تحسن حتى ركوب أحصنة سياسة التطوير والتجديد بالتوليفات الممكنة، ولما لا يكون العمل في التفكير المركزي على تطوير موسم الشيخ الكامل (التراث والتقليد) إلى مهرجان ذي جودة وجاذبية في تسويق الموسيقى التقليدية/ الصوفية والسياحة الروحانية ، وإعادة بهجة المدينة الفطرية بلا دعوات اصطناعية تمييزية بين الفئات الاجتماعية !!
ففي ذكرى المولد النبوي الشريف تُمسي مكناس المحجَّ الذي ُيقصد للزيارة وإحياء موسم الهادي بنعيسى. كانت المدينة بحق تستقبل أكثر بكثير ممَّا يزور الملتقى الدولي للفلاحة حينذاك. من غريب الصحوة أن المدينة ضيعت جزء من تراثها اللامادي، حين كان بإمكانها تطويره وتنظيمه وتشذيبه من تلك المعتقدات الدخيلة.
مكناس تعتز بأنها مدينة السلاطين والأثر العمراني التاريخي. تعتز بأن تربتها احتوت مراقد من أولياء الله الصالحين. فقد كانت المدينة قبلة في موسم الهادي بنعيسى (المِيلودْ يَلاقِينِي بِأحبابِي)، وهي الميزة التي افتقدتها مكناس ضمن التحولات الاجتماعية (النووية) المتسرعة، وغير المتصالحة مع الأثر المادي واللامادي للمدينة.
كان من العشق النقي، ونحن صغار السن، انعقاد الموسم الكبير. فكل الاتجاهات كانت تؤدي إلى متسع ساحة الزويتينة، والفسحة الأمامية لضريح الشيخ الكامل. (الزويتينة/ منتزه الرياض) التي باتت اليوم تشبه (دار الورثة) المهملة !! كانت بحق الله مُتسعا يضم تنوعاتنا الاجتماعية والاثنية، فلا فروقَ اجتماعية، ولا نوعية غير الاستمتاع بما لذَّ وطاب من الفرجة البسيطة (التقليدية)، وبدون منصات لتحريك الأجساد، وملونات الصوت والصورة !! كانت الفروسية (التبوريدة) تجري بسليقة العفوية والطبع، فلا لباس بذخ وترف وغنج من التَّطبع، ولا سروج مزخرفة، ولا مكبرات صوت عند (مقدم) السربة، بل كان للفرس الأمازيغي المكتنز، والخيول العربية النحيفة حاضرة بساحة (الفانتازيا / Phantasia) والبارود يدوي بالدخان (الحبة والبارود مِنْ ظْهَرْ المَخْزَنْ). كانت الفرجة (الفولكلورية) حاضرة بالتمام في مضمار ساحة (الزويتينة) من خلال مجموعة من الفنون الغنائية الشعبية التي تتغنى بالسربة (الطبالة والغياطة)، وقد تمتد إلى محيط المتفرجين بالمشاركة.
كانت المجموعات المشاركة تتنافس فقط في نوعية الذبائح، وعلو الخيمة، ومدى استقبالها لأكثر عدد ممكن من الزوار. كانت قبائل كل من (بني امطير) و(كروان) و(أولاد نصير) و(مجاط) و(بني امكيلد) وأفخاذ قبيلة (ايركلاون)، ومتنوع من قبائل ( زيان)، ومتنوع من قبائل (زمور) ومختلف قبائل زرهون العالمة … في صنف الواجهة الأمامية الموالية للسور الإسماعيلية (بالزويتينة) .
في أيام الموسم، كنَّا نلهو مع (مُتُورْ الخطر)، مع مسرح بلا ماكياجات ولا دعم من المال العام (امرأة بلا جسد)، ومع (مُولْ الخِيط ْ وحط أُصبعك)، مع حلقات الفكاهة الشعبية، مع (جَرَبْ صِحَتَكْ وَطَرْطَقْ الفَرْشِيَّةِ)، ومع ألعاب متنوعة وبسيطة من (لاَفْوَارْ/ الملاهي). كانت غايتها اللعب والترفيه، والمشاركة في تنشيط حركية الموسم.
في متسع ساحة الهديم كانت تتوافد الطوائف من كل المدن، ومن أحياء مكناس العتيقة (القصبة / الزيتون/ سيدي عمرو/ تواركة…) ، وتتقدم هدية الملك المليحة كل الوفود الزائرة (طائفة دار المخزن). اليوم مكناس جربت حضها مع مهرجان للفن العيساوي (المخضرم !!!)، فلما لا يتم استغلال أيام الموسم وتحويله إلى مهرجان حديث منظم بمسيرات الفرجة الشعبية، ومنصات كبرى للعروض؟ لما لا يتم استغلال القيمة التطوعية للطوائف العيساوية الوطنية وإتيانها إلى الموسم بصفر درهم؟ قد نقول: إن العقل بمكناس بات في أزمة تفكير مستطيل بين الارتداد نحو المعيارية والبحث عن (الغنائم)، وبين التحديث والاستهلاك المفرط لأوجه الحداثة (البعدية) و(النزق الثقافي)!!
هي مكناس التي جعلت من ساحة (الزويتينة) حديقة مهجورة (لا هي امْزَوجة بالفرجة !! ولا هي مطلقة بالنزهة !!). نعم، مكناس تسير وفق نمط تفكير وهندسة (الياجور)، تسير وفق استغلال خيراتها باعتبارها (بقرة حلوب) تُنتج (البيض الذهبي) في سياسة الريع (حلال)!!
في الطريق الممتد بين الولي الصالح سيدي سعيد ومرقد الشيخ الكامل (الهادي بنعيسى)، كانت تنتصب الخيام التجارية والمطاعم الشعبية. داخل ضريح الشيخ هناك زيارات منظمة تتم بإشعال الشمع، وتقديم الهدايا العينية والذبائح المليحة، وتنتهي بالدعاء الجماعي من قبل حفدة الشيخ، والشرب أو الاغتسال من بئر الضريح (بفكرة نَيْلِ صك الطهارة والغفران).
قد أُخَالِفُ القوم، وأقول أننا افتقدنا موسما بقيمة مهرجان تراثي يُسوق للمدينة بعينها لا لأشخاص (الكراسي)، ويُحرك القيمة التداولية المالية، وبلا منبهات البذخ والترف (الدعم من المال العمومي).الحقيقة القطعية :” أن (علماء ) الثقافة والسياسة بالمدينة لم يقدروا البتة على تطوير آليات الاشتغال على مُنتج وتراث الثقافة الشعبية اللامادية، واستغلال فرجة الموسم المجانية”.
اليوم بتنا نماثل المعول الناسف لكل أثر تاريخي عتيق، ويختلط علينا الفرز بين (الموسيقى التقليدية) و(الموسيقى الشعبية) وبين روح المواسم وبهرجة المهرجانات !! وبمعيارية تبعد عن الثقافة الاجتماعية المستقرة بالمدينة منذ الأجداد والسلف الصالح، ولما حتى عند الخلف !! كل المدن العالمية باتت تُسوق حتى أقساط من تاريخ الخرافة الشعبية (أكررها بالتأكيد) لأجل الجذب السياحي وصناعة الفرجة. كل المدن تسترجع تراثها الماضي لخدمة المستقبل بكل أريحية، إلا مكناس فهي تلعب لعبة (القط والفأر) مع التراث بانتقائية غير مُيسرة في التثمين اللامادي.

الاخبار العاجلة