ناقش الطالب الباحث ذ محمد عبده البراق قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بمكناس أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص تحت عنوان “مبدأ حسن النية في العقود في ضوء القانون و العمل القضائي دراسة مقارنة” وذلك امام لجنة مكونة من ذ المعزوز البكاي رئيسا ومشرفا وذ. عبد العالي دقوقي و ذ عبد القادر البوبكري و ذ عبد الرحمان اسامة و دعبد الرحمان السباعي اعضاءا
وقد منحت لجنة المناقشة للطالب الباحث لقب دكتور في القانون بميزة مشرف جدا مع التوصية بالنشر
وتتلخص الاطروحة في كون العقود تعتبر من أهم الوسائل القانونية التي تهدف إلى تنظيم معظم العلاقات بين الأشخاص، وأن هذه العقود في تكوينها وإبرامها وتنفيذها وإنهائها تخضع لضوابط والتزامات محددة يعينها القانون، ترمي إلى ضبط وتوجيه سلوكات وتصرفات أطراف العقد بصورة تؤدي إلى تكريس نوع من الإلتزام الأخلاقي فيما بينهم، ومن بين هذه الضوابط الإلتزام بمبدإ حسن النية، الذي يعتبر من أكثر المسائل القانونية تعقيدا، وذلك باعتباره من الأسس الأخلاقية التي أقحمت للتطبيق على الواقع القانوني لما لها من آثار مهمة في ضبط تصرفات أطراف العملية التعاقدية .
ويعد مبدأ حسن النية كمبدإ حاكم للتصرفات في النظام القانوني، مؤسسة قانونية ذات حمولة تاريخية كبيرة تؤكدها سياقات النشأة ومسارات التقنين المتعددة والمتشعبة ، وإن هذا الوزن ذاته ينعكس على حضوره في المجال التعاقدي من خلال سيطرته على جميع مراحل العملية التعاقدية انطلاقا من عملية التفاوض على العقد، ثم مرحلة إبرامه ثم السعي إلى تنزيل مضمون العقد على أرض الواقع عبر تنفيذه، بل يبقى حضوره متواصلا حتى في مرحلة إنهائه، إذ أن سلوكات الأطراف المتعاقدة خلال أطوار هذه العمليات التعاقدية يجب أن يحكمها مبدأ حسن النية.
و إن كانت القاعدة العامة تنص على أن العقد شريعة المتعاقدين وأن للأطراف كامل الحرية التعاقدية في انشاء الإلتزامات وفق النظرية التقليدية للعقد، إلا أن هذا المنحى أضحى يهدد كيان العقد نظرا للتفاوت في مراكز المتعاقدين إذ أصبح معه العقد أداة لكسب الثورة قبل أن يصبح أداة لتبادل المصالح بين الأفراد، ومن أجل إعادة العقد إلى السكة الصحيحة، أصبح بسط القضاء لرقابته ضروريا من أجل فرض المصلحة الإجتماعية للعقد كمبدأ يسمو على المصلحة الشخصية للمتعاقد، وذلك استنادا إلى مجموعة من المبادئ والضوابط لعل أهمها المبدأ موضوع البحث وهو مبدأ حسن النية .
وتعود أهمية مبدأ حسن النية في مجال الرقابة القضائية في أنه يوسع من صلاحيات القاضي، الأمر الذي يمكنه من سد الثغرات القانونية و حماية الاستقرار القانوني و مواجهة الظروف و الوقائع الجديدة التي لم يتناولها المشرع بنص قانوني يعالجها، فيغطي بذلك غياب النص في بعض الحالات المستجدة.
إذ أنه في إطار العلاقات التعاقدية، يصعب كثيرا على المتعاقدين أن ينظموا المسائل الخاصة التي تعاقدوا عليها بكل تفاصيلها، وعندئذ يكون لمبدأ حسن النية الدور الكبير في تكملة العقد بما يفرضه من التزامات على كلا المتعاقدين، خاصة أنه يفترض في المتعاقدين أنهما يتعاملان بأمانة و ببواعث مشروعة لتحقيق مصالح مشروعة.
فالمشرع لا يمكنه أن يسن من القواعد المكملة لإرادة طرفي العلاقة ما يحيط بكافة تفاصيل علاقتهما على اختلافها و تنوعها، إذ غاية ما يمكن أن يتناوله بالنص تلك المسائل التي تبدو أمامه أكثر عرضا في العمل حسبما تبيح له ظروف الحال حصرها، وتبقی مسائل أخرى لا يتناولها المشرع بالنص، إما لأنها قليلة الحدوث في العمل، و إما لأن المشرع نفسه لم يستطع حصرها لسبب أو لآخر، و إما لأنها جدت في العمل بعد صياغة التشريع، و إما لغير ذلك من الأسباب، فكان تنفيذ العقد هو النطاق الرحب الذي يعمل فيه مبدأ حسن النية على ضمان التوازن العقدي.
ونتيجة هذا الوضع تحول دور القاضي عند الفصل في المنازعات المرتبطة بالعقد من دور سلبي باعتباره طرف خارجي عن العقد، إلى دور المتدخل في جميع مراحله من خلال بسط رقابته على مدى إعمال مبدأ حسن النية خلال جميع مراحل التعاقد .
وعليه يتبين أن هذا المبدأ ذو الطبيعة المرنة والحمولة الأخلاقية الأصيلة في المجال التعاقدي، أصبح يلعب دورا فعالا ومضطردا في تخليق العملية التعاقدية، خصوصا أن نظرية العقد عرفت تطورات مهمة كان لحسن النية جانب كبير فيه عبر المساهمة في تكريس التوازن بين مختلف الأطراف وتحقيق نوع من العدالة التعاقدية
وقد منحت لجنة المناقشة للطالب الباحث لقب دكتور في القانون بميزة مشرف جدا مع التوصية بالنشر