تحولت المدينة العتيقة لمكناس، في السنوات الأخيرة، إلى وجهة مفضلة للعديد من المخرجين والفنانين والشعراء والمثقفين، الذين وجدوا فيها فضاءً غنيًا بالإلهام ومكانًا مثاليًا لإنجاز أعمالهم الفنية والثقافية. ويأتي هذا الإقبال المتزايد في سياق الدينامية الجديدة التي يشهدها مشروع تثمين المدينة العتيقة، وهو ورش طموح يسعى إلى إعادة الاعتبار للتراث المعماري والتاريخي للعاصمة الإسماعيلية.
مشروع التثمين يبعث الحياة في شرايين المدينة القديمة
لقد بدأ أثر هذا المشروع يظهر جليًا على ملامح المدينة، سواء من خلال تحسين البنية التحتية، أو ترميم المواقع التاريخية، أو إحياء الأنشطة التقليدية والحرفية التي شكلت عبر قرون جزءًا من هوية مكناس. ولم يكن غريبًا أن تستقطب هذه التحولات عدسات الكاميرا وعددًا من المبدعين، الذين اختاروا المدينة العتيقة خلفية لأعمالهم السينمائية أو موضوعًا لإنتاجاتهم الوثائقية والفنية.
دعوة لتكامل الجهود وتيسير المبادرات
في هذا الإطار، يُطرح سؤال محوري حول دور الفاعلين المحليين، وعلى رأسهم مجلس جماعة مكناس، في مواكبة هذا الزخم وتعزيزه. فالترويج للمدينة لا يقتصر على تأهيل البنايات، بل يجب أن يشمل أيضًا تبسيط المساطر الإدارية وتيسير ولوج الفنانين والمبادرين إلى الفضاءات العمومية، وكذا دعمهم لوجستيًا ومعنويًا، إدراكًا لأهمية الفعل الثقافي في تعزيز الجاذبية السياحية والاقتصاد المحلي.
إن تنظيم مهرجانات ثقافية، وندوات فكرية، ومعارض فنية وتجارية، لا ينعكس فقط على إشعاع المدينة، بل يخلق دينامية اقتصادية تشمل قطاعات متعددة، منها السياحة والصناعة التقليدية والتجارة والخدمات.
الإعلام المحلي.. شريك استراتيجي في الترويج السياحي
من جهة أخرى، فإن الإعلام المحلي يلعب دورًا حاسمًا في نقل هذه الدينامية إلى المحيطين الوطني والدولي. وبالتالي، فإن دعم تكوين الصحفيين المحليين وتأهيلهم لمواكبة الفعل الثقافي والسياحي بشكل مهني، يُعدّ من أولويات المرحلة. كما أن إنتاج أفلام وثائقية تُبرز الغنى التاريخي والحضاري لمكناس، من شأنه أن يفتح للمدينة آفاقًا جديدة في مجالات الترويج والإشعاع الدولي.
مكناس على موعد مع مستقبل واعد
إن المراهنة على تثمين الموروث الثقافي والعمراني لمكناس، وعلى تحويله إلى محرك تنموي فعلي، يتطلب رؤية مندمجة تستثمر في الإبداع، والسياحة، والصناعة التقليدية، والإعلام، والتكوين، والتسويق الترابي. ومكناس، كجزء من النسيج الجهوي لجهة فاس – مكناس، مؤهلة أكثر من أي وقت مضى، للعب أدوار محورية في التظاهرات الوطنية والدولية القادمة.
كل ما تحتاجه المدينة اليوم هو إرادة جماعية تضع المبدع في قلب التنمية، وتؤمن بأن إشعاع الحاضرة الإسماعيلية يبدأ من احترام روحها، وتثمين طاقاتها، وتسهيل سبل التألق لكل من اختار أن يجعل منها مسرحًا للإبداع والانتماء.