آخر الأخبار

تراث مدينة مكناس المادي بين الصيرورة والسيرورةضريح السلطان المولى اسماعيل نموذجا

[بلادي نيوز]22 أكتوبر 2021
تراث مدينة مكناس المادي بين الصيرورة والسيرورةضريح السلطان المولى اسماعيل نموذجا

تراث مدينة مكناس المادي بين الصيرورة والسيرورة.
ضريح السلطان المولى اسماعيل نموذجا
أولا وجب فهم المصطلحين ” الصيرورة ” مصدرها ” صار ” وتاتي بمعنى انتقال الشيء من حالة الى أخرى، او من زمان الى آخر، وهي مرادفة للحركة والتغيير من جهة كونهما انتقالا من حالة الى أخرى، كالانتقال من الوجود بالقوة الى الوجود بالفعل .
و” السيرورة ” مصدرها ” سار”
وهي سلسلة من الإجراءات او العمليات تتميز بتغيرات تدريجية تقود الى نتيجة معينة. مثل عمليات الترميم والتثمين .
يقول محمد عابد الجابري أن التاريخ شيء والتراث شيء آخر. التاريخ بصورة عامة هو صيرورة الحياة البشرية بمختلف جوانبها: السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية. أما التراث فهو ما يبقى من التاريخ في لحظة معينة من هذه الصيرورة التاريخية. وما يبقى قد يكون ماديا، كالآثار والنقوش والتقاليد والعادات والملابس، وقد يكون فكريا .
فما يبقى في ذات الإنسان، أو ما يدخل كجزء مكون لهويته، هو تراث. ومن هنا يمكن القول إن التراث هو حضور الخلف في السلف.
ابتدأت بهذه التوطئة لأبين نموذجا من التغيرات التي طرأت على تراث مدينة مكناس المادي وضمنيا تراث الفكر الذي على أساس منطلقاته يتم تنزيل فصول برنامج تثمين المدينة العتيقة مكناس والذي يبدو أنه بدون مرجعية تأصيلية ونظرة موحدة ، فكل يعمل على شاكلته ويحدد توجهاته حسب مايراه فكره الخاص الذي هو أصلا نتاج شبكة معقدة من النظم فيها ماهو حديث وقديم وفيها ماهو غربي وشرقي يصعب الجزم معه في تحديد المرجعية الحقة والمناسبة للصيرورة التاريخية ومعه السيرورة المعاصرة سواء في امتداد الماضي القريب أوالحاضر الملزم .
نأخذ نموذج ترميمات ضريح السلطان المولى إسماعيل بن الشريف والتي تمت منذ 2015 الى حدود 2019 .
هذه المعلمة الجنائزية ” الصيرورة ” من بناء السلطان مولاي أحمد الذهبي ابن المولى اسماعيل في القرن الثامن عشر والمتوفي يوم 5 مارس 1729 م سنتين بعد وفاة المولى اسماعيل يوم 22 مارس 1727 ، وبنيت في محور ضريح الولي الشهير صاحب الرباعيات سيدي عبدالرحمان المجذوب المتوفي سنة 1568م ومسجد الرخام الذي كان معتكفا دينيا للسلطان المولى اسماعيل ، وبعدها عرفت هذه المعلمة زيادات وترميمات على طول تعاقب السلاطين العلويين حيث دفن المولى احمد الذهبي قرب والده وبعده السلطان المولى عبدالرحمان بن هشام العلوي المتوفي 28 غشت 1859 وزوجته بنت السلطان المولى سليمان .
من الناحية المعمارية هذا المركب الجنائزي الاحتفالي يتكون من حمام كبير ودار الوضوء وعدة ساحات وقاعات و أطلال مسجد الرخام ومقبرة للدفن وضريحي سيدي عبدالرحمان المجدوب وسيدي عمران بن موسى الجناتي المكناسي المتوفي سنة 1426م وقاعة كبرى تضم مدفن السلاطين واخرى مقابلة لها تضم مسجدا ومقبرة درب مولاي اسماعيل .
من الناحية الاحتفالية المركب الجنائزي يضم مجموعة من الأعمال القديمة والمحدثة على مر ستة قرون اذا لم نستثني ضريح سيدي عمران بن موسى وكل تلك الأعمال تؤرخ لحقبة من الزمان او بالمرموز الواضح لكل سلطان منجزاته وأعماله الخالدة والتي تنسخ او تحافظ إلا بأمر سلطاني مباشر وليس بالتأويل والتذرع وراء خلفية ” قال لنا سيدنا نرمموا على الأصل ” ، فترميمات عهد الحسن الثاني كانت عظيمة وكان يفتخر بها رحمه الله انظر الصورة يسارا كيف كانت الباحة والاقواس قبل ترميماته والصورة يمينا بعد الترميم والتي أخذت سنة 1972 خلال بحت الدكتور الفرنسية ماريان باروكاند حول الهندسة المعمارية الأميرية بمدينة مكناس ،بحيت رحمه الله قام بعدة زيارات رفقة الملوك والرؤساء في الستينات بعد نهاية الترميمات لهذا الضريح الذي أخذ تيمة مكناس في اللون الرسمي اللون الأصفر الذهبي الذي كان من الالوان المحببة للسلطان المولى اسماعيل وابنه اسمه احمد الذهبي وبالتالي كان هذا اللون الهوية البصرية التي جابت كل دول العالم في التعريف بمآثر ومعالم المدينة ومن حسن الصدف ان هذه الصورة الاصلية للون تم اعتمادها في تقرير 2019 للمجلس العالمي للمباني والمواقع إيكوموس .
اليوم هذه الترميمات ” السيرورة ” لا ترتقي الى كل هذه الصيرورة التاريخية لأن معظمها بدون مرجعية وتأصيل تاريخي سواء في تاريخ الفنون والصناعة التقليدية والمعمار العلوي الذي أساسه العمارة الطينية ، بدون الالتزام بطرق البناء والمواد الاصلية التي تلزمها التوصيات والوثائق الدولية ” ميثاق البندقية 1964 – وثيقة نارا للأصالة 1994 ” مادام ان تراث مدينة مكناس المادي تراثا عالميا للانسانية لدى اليونسكو منذ 1996 ، عدم وجود مهندسين مختصين في التراث ومهن الترميم المختصة بالمغرب اظافة الى كون الصفقات المعتمدة في الترميم تخضع لنظام الصفقات العمومية العادية وهذا خطأ كبير لأننا نتعامل مع التراث المعماري وصل إلينا من الماضي في وضعية تخضع لكرونولوجيا معقدة وغير واضحة في بعض فتراتها الزمنية. وبالتالي منطق الصفقات العمومية العادي كآلية تنزيل مثل هذه المشاريع يترك هامشا كبيرا من المغالطات والاستدراك ومعه النظرة الذاتية ،ولهذا وجب التفكير في قانون و إطار إداري خاص يراعي الصيرورة التاريخية لمآثرنا التاريخية القادمة من الزمان الماضي ويلتزم بالسيرورة القريبة والحاضرة في التعديلات والتغييرات ، فما بنته الحضارات القديمة وجب الحفاظ فيه اولا على تراث الفكر الحضاري الذي به تم التشييد والبناء وعلى تفاصيل تراثه المادي الاصلي بتغيراته الزمنية .
فما نراه في بعض الترميمات سواء السابقة او الحالية لا تراعي الصيرورة والسيرورة بل تذكرنا بأعمال الدولة الحامية في عهد الاستعمار والتي قامت بهدم وردم وفصل وتوظيف سافر لمعالم ومآثر المدينة بل تطاولت على موارد تاريخية الان ان السلاطين والملوك ومعهم الشرفاء من الوطنيين ورجالات المقاومة حاربوا وقاتلوا في سبيل الحفاظ على موروثنا الثقافي والتراثي و اعادوا إحيائه وتثمينه منذ عهد السلطان محمد الخامس مرورا بعهد الملك الحسن الثاني رحمهما وصولا الى العهد الزاهر لجلالة الملك محمد السادس أدام الله عزه ونصره وما برنامج تثمين المدينة العتيقة مكناس الا سيرورة مباركة وعناية مولوية تثمن صيرورة تاريخ الاجداد و الاباء للأمة المغربية الأبية .

علي_زيان

عضواللجنةالمغربيةللمجلسالعالميللمبانيوالمواقع

الاخبار العاجلة