محسن الأكرمين.
قد لا نفر بعدا، إن قلنا: (إن للذاكرة عقلا، مثلما للعقل ذاكرة/ مطبعة وراقة بلال / فاس المغرب). قد نعلن بأن رواية (ويلات ذاكرة حالمة/ محسن الأكرمين)، تمثل ذلك التعايش بين المكان (الأرض/ الهوية المشتركة) وذاكرة العقل الماضية (الزمن المتحرك والمرتبك)، ولما حتى معرفة عقل ذاكرة الحاضر بمتغيرات الحياة. رواية تطل بتأن على ملامح مستقبل محتمل الحدوث بمطلب تمكين الحقوق والكرامة. من صدق البدايات أعلن للقارئ أن الرواية تحمل بين فصولها المتعددة معاناة خاصة للذاكرة الملازمة للماضي والحاضر، ويمكن أن تتخطى حدود المستقبل.
حقيقة لا مناص من ذكرها، للقارئ رأي ومنه نستمد روح الكتابة وصخب معاناتها وفرحها، وللناقد تحليل وتفكيك لأبنية الرواية، ومنه نتعلم الضبط والتصويب، بلا ملاحظات رديفة تهم الشكل والشكليات والتوصيفات. لكني أريد حقا من القارئ، أن يشتم رائحة ذاكرة ساحل جبال المقدمة، والمستوفية لأحداث ممتزجة بالمكان والزمان. أن يقف على مرمى ذاك الخط المتوازي الفاصل بين الماضي وترحله، وبين الحاضر والمستقبل ومجيئه بأحداث تبحث عن حلول التمكين، بلا مماطلة ولا تسويفات مميتة.
لم تكن دلالة (ويلات) في مطلع العنوان، إلا ذاك الحامل الأمين الذي يشهد على فعل الكتابة، عن مرجعيات أحداث متراكمة بلا تصويبات عادلة. لم تكن تلك الذاكرة بالساحل الريفي، إلا ترحلا دائما نحو الماضي بأمان المصالحة وجبر الضرر، ولما حتى البحت عن الاطمئنان من تاريخ لا يمكن استعادته بالوفاء إلا من خلال (الذاكرة الحالمة).
نعم، الرواية تنشئ للذاكرة عقلا داخل الوعي الفردي والجماعي بحي غير بعيد عن دوشة مدينة، وقد يتفاعل عقل وعي (الذاكرة الجماعي) مع الحاضر والمستقبل برؤية الفرح والألم. ويبقى حتما الحلم في عنوان الرواية مهيأ نسبيا للولوج إلى الماضي بالاطمئنان، ومكتسبا للتصالح مع الذات والآخر.
قد نعلن بأن رواية (ويلات ذاكرة حالمة/ محسن الأكرمين)، تحمل نوعا من الخيال الصادق، يفيض بثنائية المتناقضات (الألم والفرح…). تحمل نوعا من الحب والعشق في جبل المقدمة الشامخ بالأنفة والأبعاد الاجتماعية. تحمل موجهات فكرية تستقصي الحكامة، وحلولا من قيم التجديد والتحديث، وتبحث عن إرساء رمز القانون والعدالة الاجتماعية، وتحقيق الكرامة في ذاك الحي غير النائي بالبعد عن المدينة.
أبطال الرواية أتت دلالة بأسماء أمازيغية، ومستوحاة من تقابليات المعنى (إيثري/ أنير /إدير/ تيليلي…). أبطال من صحبة ذاك الحي غير النائي بالبعد عن المدينة. أبطال عايشوا ارتباطهم بأحداث حراك شعبي في منطقة الريف، لأجل غاية فريدة (الكرامة و تحقيق العدالة الإجتماعية). أبطال يحملون حلم يقظة تمكين المنطقة من حقها في التنمية التفاعلية.
قد يتخيل للقارئ بأننا نستنسخ حراك الريف الأخير بالقسوة، لكني أقول: أن الرواية نأت بالبعد عن الأحداث الواقعية، وبات المتخيل فيها يكسبها التفرد والتميز. كل أحداث الرواية تدور بروية في حي غير بعيد عن دوشة المدينة، كل الأحداث تقتفي تنوع وجهات نظر الإصلاح الممكنة بالمنطقة من رجل السياسة المخضرم (إيدير)، إلى الأنثى (تيللي) ومطالب تكافؤ الفرص والحرية، إلى رجل الدعوة (الفقيه/ الشرعي) والبحث عن اليقظة الثانية (أنير)، إلى حامل أحلام (شعب) في تحقيق الكرامة وسيادة العدل، إلى ساكنة تسكنها قضايا الحياة المعيشية وتختلط فيها كل أوجه التهريب والحكرة، وهي عاجزة عن الخطو نحو المستقبل والتحكم فيه قانونيا. هي أحداث متنوعة وأقول: أن من لم يتمكن أن يتحكم في ذاكرة الماضي، لن يحكم في المستقبل، ويبقى الماضي عنده بعيدا لا يعود.
لن أفصل مسارات فصول (ويلات ذاكرة حالمة/ محسن الأكرمين) ، ولكني أؤكد أن الرواية تحمل حتما عناصر من الحزن والفرح البهي ببهاء منطقة الساحل الريفي. تحمل خيارات الفكر الحاضر بقوة العقل، والذاكرة الوطنية المشتركة البعيدة كل البعد بكثير عن الذاكرة الفردانية. تحمل روح المواطنة بالموازاة مع مطالب العدالة الاجتماعية.
(توقيع الإصدار الأول يوم الجمعة 22 أكتوبر 2022 / بقاعة غرفة الصناعة التقليدية مكناس/ ما بعد الساعة الرابعة مساء)