متابعة الشأن المحلي بمكناس محسن الأكرمين.
كثيرا، ما أتعرض لِلومِ المُؤدب عن بعض مقالاتي التي تنقل نكوص أداء المدينة في المهمات الثقافية. كثيرا، ما أُجابهُ هذا النقد بابتسامة وبالصمت، وأنا أُردد بدواخلي هي مدينتي أفخر بها وأتمنى لها الأفضل. نعم، في كتاباتي جمعاء لا أبحث عن مظاهر البهرجة والترف وتسويق الصورة المفبركة. لا أبحث عن فضاءات الشاي والعصير وما لذَّ وطاب من الحلويات، وإنما دائما أبحثُ عن جمالية العرض والتنظيم والقيمة المضافة. أبحث عن أثر النوعية الحاضرة من الأنشطة والمهرجانات، عن مكناس كمدينة قوية تنافسية، لا تمارس درء المصاعب بتلوينات باهتة.
نعم، رُؤيتي الذاتية ليس بالمثالية الكلية. رُؤيتي المتواضعة، لا تُقايس المعيارية بمؤشرات عليا، وإنما تصوراتي تنبع من ابن حي الزيتون الأميري. رؤيتي تتلاءم بالتوافق مع ما هو اجتماعي، والذي يُفرح الساكنة والمدينة ويُنمي القيم الفضلى. رؤيتي تتعز من مدى تَماثُل استفادة المدينة من كل أنشطتها البنائية بالاستقلالية في التدبير والتخطيط. رؤيتي، تبحث عن تجسير قنطرة متينة، تتحمل النوعية، والتراكم الكمي لأنشطة مكناس التفردية.
كانت هذه المقدمة لا بد منها، حتى يَغِيبَ وأُغيبَ سؤال: لما تنتقد يا ابن الأكرمين الأداء والأثر بهذه المدينة العلية؟ حقيقة استعراضية أولى، لم أتعلم في مسار تجربتي الحياتية الشعور بالذنب، بل تعلمت التصويب وضبط الفرص، وتغيير النظارات السوداء في حالة إنجاز ذا قيمة بمدينتي.
اليوم، حين أوجه النقد لخيمة معرض الكتاب والنشر بمدينة مكناس في دورته (12)، فإني أتحدث عن ذاك التراجع لهذا المعرض في حد ذاته من دورة لأخرى. أتحدث عن النمطية (التقليدي)، حتى باتت مشاهد المعرض تشابه (روتيني السنوي) في النشر والكتاب. أتحدث عن غياب تطوير الأداء والتفكير في رواق الأدب الرقمي والثقافة الذكية. اليوم، حين أتحدث باندفاعية عن مكناس، فإني أستحضر مدينة الثقافات ومركزيتها التاريخية في الإنتاج الفكري والثقافي، وإعمال العقل النقدي التحليلي.
اليوم، حين أتحدث عن السيطرة العمودية لقطب الجهة الأول (فاس) على القطب الثاني (مكناس) في مجال الأنشطة الثقافية (مهرجان وليلي) وغيرها من البرمجة التنموية ، فإني أتحدث عن التنافسية والندية، والتدافع الإيجابي بين المدينتين من جيل (الكوديم / الماص). اليوم، حين أتحدث عن تهميش وإقصاء كاتبات وكتاب ومبدعي مدينة مكناس، فإني لا أقصد قيمة عرض منتجاتهم الثقافية (الفنية والأدبية والعلمية…)، بل أروم الحديث عن الإقصاء في التخطيط والهندسة الفعلية لهذا المعرض الجهوي (12)، والذي يقام بتراب عمالة مكناس، وليس بدائرة أحواز الجهة !! اليوم، حين أنتقد بالإيجاب، فإني أبحث عن تطويع سياسة التصويب والسماع لنبض المدينة المتحرك، والعمل على تغيير تحكم مركز الجهة في أنشطة متفرعة تُقام بجغرافية القطب الثاني.
لن تطلقوا أسهم نار الاتهامات السلبية عليَّ، لأني اليوم أشعر بالعار يَكْتنفني في معرض للكتاب والنشر تغيب عنه وجوه تؤثث مشاهد الثقافة والفن بالمدينة. لن أشعر بالعار كما قد يراني البعض، بل أبحث عن تزكية تنمية ثقافية عادلة ومستقلة لمكناس عن تدبير خيوط كراكيز التدبير الأحادي لرأس المديرية الجهوية –قطاع الثقافة-. بحق، اليوم أُعلنُ ما حييتُ، بأني سأتناول أزمة مكناس التنموية والثقافية في القاعات المفتوحة بالرأي والنقد الإيجابي والتمحيص الدقيق. كما لن أتوجه إلى نظيرتها المغلقة، وأمارس حديث الطواحين الهوائية من تحت الجلباب.
معرض كتاب ونشر جهوي بمكناس، وهو يُغَيِّبُ الكاتبات والكتاب، ومن لهم رصيد أدبي وثقافي بهذه المدينة الطيعة، هو الاختلاف الحاضر بيننا، أحببنا هذا أم كرهناه، ولو أنِّي أكره الفردانية والأنانية المقيتة. لنعترف بأننا لا نبكي على أطلال أسوار وتراث الثقافة بمكناس، بل نطالب بحس معرفي ثقافي تفضيلي، وإعطاء القيمة المعيارية لمكناس العالمة. فالمدينة تأبى الخضوع و ضغط طنجرة (مفهوم الجهة) حتى في صنف الثقافة والفن، ولختم الكلام دلالة (أرجعوا لهذه المدينة هيبتها التاريخية !!).