أوهام القوة: بين تصريحات تبون والواقع الاقتصادي الجزائري

في الوقت الذي تتسارع فيه التحولات الاقتصادية والسياسية على الساحة الدولية، يواصل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إطلاق تصريحات تجافي الواقع، ليغذي بها سلسلة الأوهام التي أصبحت جزءًا من خطابه اليومي. تصريحات تبون حول كون الجزائر “ثالث أقوى اقتصاد في العالم” وعدم انضمام بلاده إلى مجموعة “بريكس” لأن الجزائر “لم تجد الباب المناسب للدخول” لم تكن سوى فصل جديد من فصول السردية الزائفة التي يعتمدها نظام عسكر الجزائر للتغطية على إخفاقاته المتكررة في إدارة البلاد.

التناقض الصارخ بين التصريحات والواقع…

الجزائر، البلد الذي يمتلك احتياطيات ضخمة من النفط والغاز، يعيش اليوم وضعًا اقتصاديًا مأزومًا بسبب الاعتماد المفرط على صادرات الطاقة وتقلبات أسعار النفط العالمية. ومع أن النفط والغاز يمثلان أكثر من 95% من صادرات الجزائر، فإن البلاد تعاني من معدلات بطالة مرتفعة وتراجع في الاستثمارات الأجنبية وعجز تجاري متزايد. فكيف يمكن في ظل هذه الظروف الادعاء بأن الجزائر تحتل مرتبة “ثالث أقوى اقتصاد في العالم”؟

تصريحات تبون حول قوة الاقتصاد الجزائري تبدو وكأنها محاولة للالتفاف على الأزمة الاقتصادية الحقيقية التي تعاني منها البلاد. فالإنتاجية المحلية متدنية، والاقتصاد الجزائري يعاني من ضعف التنوع واعتماد شبه كامل على عائدات الطاقة. وعندما يضطر المواطن الجزائري إلى الوقوف في طوابير طويلة للحصول على السلع الأساسية، فإنه يدرك تمامًا أن الحديث عن القوة الاقتصادية ليس إلا وهمًا.

مجموعة “بريكس”: حلم بعيد المنال…

مجموعة “بريكس” التي تضم كلًا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، تعتمد على اقتصادات متنوعة وسياسات خارجية مستقلة وقوية. هذه الدول تسعى لتحقيق التكامل الاقتصادي فيما بينها، وهي تمتلك تأثيرًا حقيقيًا على المستوى الدولي. أما الجزائر، فهي لا تزال تعاني من تبعية اقتصادية كبيرة وتضاؤل في النفوذ الدبلوماسي على الساحة الدولية.

الحديث عن انضمام الجزائر إلى “بريكس” يعكس عدم فهم حقيقي لمتطلبات العضوية في هذه المجموعة. فالدول الأعضاء في “بريكس” تتمتع بمقومات اقتصادية وسياسية تجعلها قادرة على المشاركة الفعالة في هذه المجموعة. في المقابل، الجزائر تعاني من مشاكل هيكلية عميقة تجعل من انضمامها إلى “بريكس” مجرد حلم بعيد المنال. وليس غريبًا أن تصريحات تبون حول هذا الموضوع قد قوبلت بالسخرية والتهكم من قبل المراقبين والمحللين.

إدارة الفشل والترويج للأوهام…

الرئيس تبون والنظام الجزائري بشكل عام يبدو أنهم اختاروا نهج “إدارة الفشل” بدلاً من مواجهة المشاكل الحقيقية التي تعاني منها البلاد. فبدلًا من العمل على إصلاح الاقتصاد وتطوير البنية التحتية وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين، يواصل النظام الترويج لأوهام “القوة الاقتصادية” و”الاستقرار السياسي”، في محاولة لإلهاء الرأي العام وإخفاء الفشل في معالجة القضايا الأساسية.

هذه الأوهام لا تنطلي على الشعب الجزائري، الذي يواجه واقعًا مريرًا يتمثل في تدهور مستوى الخدمات العامة وارتفاع معدلات البطالة والفقر. فالتناقض الصارخ بين التصريحات الرسمية والواقع المعيشي للمواطنين يزيد من حالة الإحباط وفقدان الثقة بالنظام السياسي.

المستقبل الغامض: إلى أين تتجه الجزائر…؟

في ظل استمرار النظام الجزائري في الترويج للأوهام بدلًا من تقديم حلول حقيقية، يبقى المستقبل غامضًا بالنسبة للجزائر. فاستمرار الاعتماد على عائدات النفط والغاز في ظل تقلبات السوق العالمية يعرض الاقتصاد لمخاطر جسيمة، في حين أن غياب الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية الأخرى يحرم البلاد من فرص النمو والتطوير.

ما يحتاجه الشعب الجزائري هو قيادة قادرة على مواجهة التحديات الحقيقية والعمل على تطوير الاقتصاد بعيدًا عن الأوهام والشعارات الفارغة. فالشعوب لا تُخدع بالكلمات المنمقة، بل تحتاج إلى إجراءات ملموسة تساهم في تحسين حياتها اليومية. ومع استمرار النظام الجزائري في نهج الترويج للأوهام، يبقى السؤال: هل ستتمكن الجزائر يومًا من إيجاد “الباب المناسب” للخروج من أزمتها الحقيقية؟.

#عادل العربي

مقالات مشابهة