هيئة التحرير.
حين تسحرك المدينة بصدقها وطيبة بنيتها الاجتماعية، فاعلم أنك حتما تقيم بمدينة إفران. حين ترى معالم التغيير الإيجابي، والتكيف مع المستجدات البيئية الطبيعية، وأزمة الجفاف (المتراكم)، وقلة التساقطات الثلجية والمائية، فاعلم أن تدبير المدينة في أياد آمنة تشتغل وفق استراتيجيات مدققة، ومرتبطة بتدبير الأولويات وسياسة القرب المندمجة.
في مدينة الماء ونصاعة الثلج، تبدو مدينة إفران حزينة بقلة التساقطات المطرية، وهي تَنْظر إلى السماء بأمل الرجاء الرباني (اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين). أزمة المورد المائي الطبيعي، لم تقعد مؤسسة السيد العامل في مواجهته بحكامة، والتفكير في الحلول الإجرائية وذات الأولويات الضرورية بالترتيب. فهنالك
إجراءات عامة ووطنية وشمولية للتقشف في استعمالات الماء وترشيد الاستهلاك. وهنالك إجراءات محلية بمدينة إفران ترتبط طبعا بالإمكانات والحاجيات. حيث هنالك ازدواجية التفكير في الحفاظ على المجال البيئي بالمدينة ممتدا بجمالية مستديمة، ولو في حدها الأدنى، في حين هنالك إجراءات بديلة في كيفية السقي الليلي وبالتقنيات الذكية، وكذا خطط تروم إلى تدبير عمليات السقي من خلال محطات (المياه العادمة) وإعادة التدوير والاستعمال.
الأهم أن مدينة إفران تتكيف وفق المعطيات والمتغيرات البيئية والطبيعية. فيما جولتنا لم تنته بهذه المدينة المواطنة الذكية، ومن قلب المدينة الأنيقة نحو عذرية الغابة ومنتزه رأس الماء، أماكن ألفنا أن الماء جزء منها بالارتباط، وديان كانت جارية المنبع جفت في هذه المواسم العجاف من سنوات الجفاف. توقفنا كثيرا
بالحفرة الكبيرة لجبل (ميشليفن)، ورؤية التخطيط العقلاني لإنشاء قطب سياحي بها. بعدها، انتقل فريقنا نحو ضاية عوا، كانت المشاهد حزينة، حين غابت جلبة السياح والزوار و حوافر الأحصنة بهذه المنطقة الغناء، حين تسرب الماء أرضا ولم يبق من البحيرة غير الأتربة والرواسب المتكدسة.
فحين تجمع علينا مجموعة من الشباب أبناء المنطقة بلطف، كان شكواهم في غياب الشغل، في غياب تلك المداخيل التي كانت مرتبطة بالسياحة الداخلية. كانت شكواهم تحمل همَّ أسر استوطنت الجبل، ولم ترد هجرة المكان. وفي حديث شاب فريد استمعنا إليه بتمعن، حين فاجأنا بقوله: الحمد لله الدولة انتبهت لهذا الأمر، وقد تم تسجيلنا في سجل الدعم الاجتماعي، وكذا في التغطية الصحية، وهذا من فضل التوجهات المولوية السامية في التخطيط وإرساء الدولة الاجتماعية، وأخلاق الرعاية. وقد زاد في تدخله بيانا، حين شكر المسؤولين المحليين عن برنامج الدعم الاجتماعي، وتيسير عمليات التسجيل ومعالجة الملفات بدقة وشفافية،
والتتبع حتى التوصل بالدعم المالي. كما أكد أنه شاهد عامل الإقليم في جولات مكوكية دائمة لكل نقاط تسجيل المواطنين، وكذا في زيارته الميدانية التي تستهدف أبعد نقاط الإقليم، واختتم قوله بنباهة: أن إدارة القرب والتفاعل المندمج مع حاجيات المواطنين تقودها حكامة مؤسسة العامل بالإقليم…”.
لأول مرة نقف على اعتراف شاب يُقرُّ بتخطيط الدولة العمودي، والأفقي التفاعلي على مستوى مدينة إفران. لأول مرة وقفنا على حديث شاب بكلمات بسيطة تحمل ازدواجية اللغة العربية الفصحى والمكون التواصلي للغة الأمازيغية. وحتى القيمة الاجتماعية بثقافة الاعتراف كانت حاضرة. من قلب الغابة توجهنا نحو منتزه (عين فيتال)، وهي الحلقة الموالية من زيارتنا الميدانية لمدينة الجبل الشامخ إفران العالية.
في المقابل، كشف مصدر مسؤول بقرب الإطلاع (آثر عدم ذكر اسمه وصفته)، أن مدينة إفران تُعلن بدايات الاستعمال المعقلن للمياه، فضلا عن وضع برنامج استعجالي لتوفير هذه المادة الحيوية لأقصى نقطة بالإقليم، وإن اقتضى التدخل عبر صهاريج متنقلة ومنتظمة، أو أثقاب رسمية الاستعمال ومراقبة. في نفس الوقت يدعو المسؤول ذاته، كافة المواطنين وخاصة الفلاحين، إلى ضرورة ترشيد المياه بطرق حكيمة، لتفادي كل المشاكل الممكنة مستقبلا، فالجفاف الذي يعرفه المغرب عموما، ومدينة إفران على الخصوص هو تغير مناخي هيكلي وبنيوي، ونحن مدعوون لإيجاد حلول ناجعة وسريعة لهذا المشكل الهيكلي.
وأكد المسؤول ذاته، على تنظيم حملات توعوية مندمجة (لقاءات مباشرة مع المواطنين/ مع الفلاحين/ مع المجتمع المدني/ مع الإعلام / كبسولات/ وصلات إشهارية/ حملات المراقبة والضبط/ تنظيم فضاءات الاستعمالات اليومية للماء…)، وكذا الدعوة للمجتمع المدني والإعلام المحلي على تقديم يد المساعدة للسلطات
المختصة، من أجل تجاوز هذه الأزمة البنيوية، من خلال حث الفلاحين على تفادي كل الزراعات المستهلكة للمياه بكثرة، واللجوء إلى تقنيات الري بالتنقيط، وغيره من الإجراءات (الزراعة البيولوجية) التي قد تمكن من تخفيف الأزمة الحادة في استهلاك الماء إلى حين نزول غيث السماء الرباني.
(يتبع)