محسن الأكرمين
لن ندخل في السجال المرفقة بمولد خير البرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تسليما، هل هو عيد أم ذكرى؟ الأهم من الذكرى أنها استرجاع حاضر لمولد رسول وخاتم الأنبياء (ص)، والعيد لدينا عودة طيعة نحو انطلاقة الدين الإسلامي المعياري وانتشاره الكوني، على اعتبار أن صدق الاعتقاد قول باللسان، وعمل بالأركان، وإيمان موصول بالقلب (الجَنَانُ).
فحين نتحدث عن رأينا من الاحتفالات الرديفة، والتي تقام بمدينة مكناس مع حلول ذكرى المولد النبوي الشريف، فإننا قد نَلقى من التعاليق التي تُعلق تلك الاحتفال (مهما كانت) على الخرافات والشعوذة، والخروج عن النهج السديدة من سيرة الاحتفالات الدينية بالأثر، ومناقب السلف الصالح.
لا علينا، ومن البداية فنحن لا نوافق على مجموعة من الأعراف (المُشْكلةِ) التي ورثتها المدينة من زمن الركود القديم، ومن جيل تنوع المورد الصوفي لمكناس. لا نريد وضع مقايسة بين العادات الاجتماعية المعتمدة (الممارسات الفعلية الاجتماعية) والدين المعياري كما يوجد في الكتب وخطب المنبرية. لا نريد اليوم من يعلمنا ركائز الدين السليم، وأسس الصحوة والغربلة لكل العادات الدخيلة. فاليوم الحديث هادف وهادئ
فحين أتحدث عن تحديث موسم (الشيخ الكامل) وتطوير أدائه وتمفصلاته التنظيمية، أتحدث عن خلق وعي جديد (الصحوة نحو تصحيح بعض العادات والمعتقدات العرفية)، ولما لا تحيين القيم الأخلاقية وفق تدرج التحولات الاجتماعية بمكناس. أتحدث عن تاريخ المدينة (الماضي القريب)، وماذا كان الموسم يُسديه من خدمات متنوعة؟ فقد كان الموسم يسوق مكناس باعتبارها قبلة روحانية (صوفية) و(تجارية) في احتفلات ذكرى المولد النبوي المقترنة بموسم الشيخ الكامل. كانت المدينة تعيش أبعادا اجتماعية بالتثمين مع الذات والإنسان والمواقع التاريخية والأثر الروحاني. كانت المدينة تُحدث أواش التثمين المعرفية والثقافية لمكناس، وتبيت المدينة قبلة لكل الموردين، والصوفيين الأوفياء، والزائرين باختلاف الجنس ومقصد الحج نحو المدينة والأضرحة !!
قد يقول قائل: ” إنها خرافة مدينة وسذاجة قوم آتية من ماضي الحواشي والبوهاليين والهداويين… !!”. لكنا اليوم، لا نبحث على حمل العصا السحرية للإصلاح المتناسق (الأفقي والعمودي)، لا نبحث عن قَلْعِ أعراف وتراث مدينة مع كنس أثر الصالحين والصوفيين، ولا نريد بخس ثقافة شعبية تشكلت بين الماضي والحاضر. اليوم، قيمة فتح قوس حديث: لما لا تعمل مكناس على تطوير موسم الشيخ الكامل، باعتبار مرجعيته التاريخية، ومكانته الصوفية، واعتقادات الناس العرفية ؟
كانت مكناس تفكر في (مهرجان عيساوة وموسيقى العالم)، ونال الدعم السخي من مجلس جماعة مكناس، وبلا مناوشات موضعية (ثقة بأعضاء الجمعية التي حملت مشعله)، لكن لظروف ما لم يتم تفعيله !! لما لا أن يواكب (مهرجان عيساوة وموسيقى العالم) موسم الشيخ الكامل وفق أجندة ثقافية وصوفية تنتعش فيها المدينة سياحة واقتصاديا وتسويقا لملمحها التاريخي؟ لما المدينة بقيت تصنع فقاعات (التِيدْ بتأدية فواتير المزاج !!) وبالالتصاق فقط في نقد بعض الممارسات اللصيقة بموسم (الهادي بنعيسى)؟ لما المدينة لم تصنع مهرجانا مُرفقا لموسمها الكبير السنوي (الشيخ الكامل) لعيساوة والموسيقى الصوفية العالمية؟ لما المدينة تبقى المدينة تصنع النقد وتَتَكَفَفُ عن وضع البدائل والتطوير لمجالاتها الثقافية والعرفية؟ نعم بحق، لم تستطع مكناس إخراج البدائل (هندسة مهرجان) عبر ليالي الذكر والسماع المتنوع والحداثة، وتنويع منصات الثقافة النظيفة، وخلق توليفة توافقية لتجسير الخطوات الرزينة نحو المستقبل.
هو موضوع قابل للنقاش الرزين وبلا تحامل، ولا تخوين، ولا تكفير. موضوع يمكن أن يكون نقاشه ضمن مائدة مستديرة تجمع كل فرقاء المدينة بتنوع الانتماء، وفئة المثقفين الغيورين، ومهندسي المهرجانات التسويقية الوطنية. مائدة تخرج بتوصيات وخلاصات، ترفع للسلطات الترابية والمجالس الجماعية لأجل التطوير و الرأي والتنفيذ، باعتبار المواطن المدني الترافعي بمكناس يمكن أن ينتج الأفكار الإيجابية، ويبقى الاحتضان بيد أهل الحل والعقد