الرباط – 4 دجنبر 2022
السيد النعم ميارة رئيس مجلس المستشارين والزميل العزيز؛
السيدFORTUNE CHARUMBIRA رئيس البرلمان الإفريقي والزميل العزيز،
السيد وزير الشباب والثقافة والتواصل،
الزميلات والزملاء البرلمانيين،
السيدات والسادة،
تغمرني سعادةٌ خاصة وأنا أفتتحُ معكم هذا الحوارَ البرلماني في دورتِه الثانية، والذي أردتموه، أنتم أعضاء تكتل الشباب في البرلمان الإفريقي، أن يكونَ حرًّا ومفتوحًا. ويتمثلُ مصدرُ هذه السعادة أولاً في أن الأمر يتعلق بمَحْفَلٍ إفريقي يُلامِسُ قضايا مَفْصَليةً في السياق الإفريقي والدولي الراهن، وثانيًا لِكَونِ من يحملُ هذا الهَمَّ القَارِّي، في هذه الحالة، هو الشباب الإفريقي الممارس للسياسة والمُلتزِم في الشأن العام.
واسمحوا لي، في البداية، أن أجددَ الترحيبَ بكم في أرض المملكة المغربية، البلد الإفريقي العريق، الملتزم بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله من أجل قضايا إفريقيا الحيوية والعاملِ من أجلِ نَهضتِها وتقدمِها وحقوقِها.
ودَعُوني، أيضا أُثْني عليكم، أنتم الشابَّاتُ والشبابُ، الذين تمثلون عَيِّنَةً من الشباب الإفريقي المؤمن بنُبل المشاركة في الشأن العام، الملتزم سياسيًا، والمقتنع بنجاعةِ وجَدْوى العمل السياسي والمؤسساتي، والمدافعِ عن قضايا قارته، في سياقٍ وزمنٍ ما أحْوَجَنَا فيه إلى استعادةِ معاني الالتزام.
السيدان الرئيسان،
السيد الوزير،
الزميلات والزملاء البرلمانيين،
السيدات والسادة،
نلتئم في إطار حوار مفتوح من أجل قضايا ضاغطة حيوية بالنسبة لقارتنا. فالأمن الغذائي غَدَا واحدا من التحديات التي تكتسي طابعا جيوسياسيا، وارتفاع أسعار الغذاء هو اليوم من عناصرِ الضغط والتفاوض في العلاقات الدولية غير المتوازنة، بل وغير العادلة. ولكنْ اسمحوا لي أن أتساءَلَ كما قد يتساءَلُ الكثيرُ منكم : مَا الذِّي يَنْقُصُ إفريقيا لِتَكْفُلَ أَمْنَهَا الغذائي؟ أَوَ لاَ تملكُ القارةُ الإمكانياتِ الهائلةَ لِتَسُدَّ حاجياتها الغذائية، وحاجيات عدد من أصدقائها؟ أليستْ هي القارة التي تملك 60 % من الأراضي القابلة للزراعة في العالم؟
وإذا كان أمراً واقِعاً أن عددًا من بلدانِ قارتِنا تعاني من التصحر والجفاف، فإن عدداً آخرَ منها يتوفرُ على مواردَ مائيةٍ هائلةٍ تحتاج إلى التعبئة والتثمين والاستغلال الأمثل.
وإذا كانت إفريقيا لا تفتقر إلى التقاليد والثقافة الزراعية، وإلى القوى العاملة، وإلى المهاراتِ والسَّواعد، فإنها في المقابل في حاجةٍ، في عدد من الحالات، إلى حكامةٍ جيدةٍ وبالأساس إلى التكنولوجيات الجديدة التي تُنتجها القوى الصناعية التي تقع عليها مسؤوليةٌ أخلاقيةٌ وسياسيةٌ في دعمِ إفريقيا على أساس شَراكاتٍ عادلة مُمَأسسة، وهي التي تستفيد في المقابل من الموارد الأولية الإفريقية الباهضة الثمن، المَنْجَمِيةِ بالتحديد.
وإذا كانت إفريقيا لا تَفْتَقِر إلى الطاقة، وإلى ظروف إنتاج الطاقة من مصادر متجددة، فإنها بالأساس، تتوفر على أثمن رأسمال، ألا وهو الموارد البشريةُ والسواعدُ والعقولُ، عِلماً بأن الرأسمال الأساس في التنمية المستدامة، وفي مقدمتها التنمية الفلاحية، هو الرأسمال البشري وهو ما تُغَذِّيه ثقافاتٌ إفريقية جد متنوعة وغنية .
ومن جهة أخرى، فإن القارة تتوفر على ثروات بحرية هائلة، ما من شك في أنها خَزَّانٌ استراتيجي للغذاء. فقارتُنا تتوفرُ على 13 مليون كلم مربع من العمق البحري، و6.5 مليون كلم مربع من الجرف القاري، و26 ألف كلم من السواحل. وفضلا عما يختزنه من موارد، يشكل هذا المحيط البحري مجالاً لأنشطة هائلة ولمبادلات تجارية قارية ودولية مكثفة ومربحة.
ويبقى السؤالُ العريض مطروحا : كيف الطريق إلى تحويل هذه الإمكانيات إلى ثروات؟
ما من شك أن الجواب على هذا السؤال، يكمن في ثقةِ إفريقيا، شعوبًا ونُخبًا ومؤسسات، في هذه الإمكانيات، وفي التصميم الجماعي على استثمارها من أجل مصالح إفريقيا، وتوجيه الإنفاق على مشاريع البناء والتطوير وإسعاد الناس، عوض الإنفاق على مراكمة الأسلحة الكاسدة وزرع الأوهام لدى الشعوب.
السيدان الرئيسان،
السيد الوزير،
الزميلات والزملاء البرلمانيين،
السيدات والسادة،
ليست المجاعةُ التحدي الوحيد الذي تواجهه قارتنا. فهي ضحيةُ الاختلالات المناخية التي ليست مسؤولةً عنها، ولا تتمتع بالثروات والموارد المتأتية من الصناعات المُلَوِّثة المسببة لها، (علما بأن إفريقيا لا تتسبب سوى في 4 % فقط من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري)؛ وهي أيضا ضحيةُ عدم الاستقرار في أكثر من منطقة، وأساسًا ضحيةُ ارتفاع كُلفةِ الدَّيْن الخارجي بالأساس؛ وضحيةُ نظام اقتصادي دولي غير عادل وغير متضامن؛ وكلها عوامل تزيد من حدة الفقر والهشاشة ونقص الأغذية.
وإذا كانت قارتُنا تقع في صُلبِ تَنَافُسٍ دَوْلِي كبير، فإنها، لا تستفيدُ من التجارة الدولية المنتجة للازدهار في فضاءات أخرى من العالم مما يجعلُ الحاجة مُلِحَّةً لتَطوير المبادلات بين البلدان الإفريقية.
وتحتاج قارتُنا أيضا إلى الاعتمادات المالية والاستثمارات في الفلاحة من أجل إنتاج الغذاء وضمان الأمن الغذائي، وعدم الاكتفاء بطُموح مكافحة الجوع. وفيما تتمتع بلدان الشمال، وعددٌ من البلدان الغنية في قارات أخرى، بوفرة زائدة في الغذاء تعاني شعوب عديدة من المجاعة وسوء التغذية. وللأسف، فإن حوالي مليار طن من الأغذية تُرْمَى في القمامات سنويا، وهو ما يكفي لتغذية مليار نسمة.
لسنا في منطق الصدقة، ولكنَّ ظواهرَ من هذا القبيل تُسائِلُ بالفعل قِيَمَ وشعاراتٍ من قبيل “التضامن” و”الشراكة” و”التعاون الدولي”، وتمتحن “الضمير العالمي”. ولكنها تُسَائِلُ الذات الإفريقية، وهو ما برز جلياًّ في زمن جائحة كوفيد 19 حيث تُرِكَتْ إفريقيا تُواجه الوباء بإمكانياتها المتواضعة، وازدهرت الأنانيات الوطنية الزائدة لدى أصحاب الإمكانيات والموارد.
في هذا الصدد، نحن مطالبون بالترافع الدولي من أجل العدالة المناخية والغذائية لإفريقيا، وعن شراكات عادلة، وعن تحويل التكنولوجيا التي تُيَسِّرُ الإنتاج الزراعي، وعن عدم استغلال براءات الاختراع للضغط والابتزاز المالي والسياسي، وعن تحويل الرساميل لتمويل المشاريع الفلاحية الإفريقية الضخمة والاستراتيجية.
وفي الداخل الإفريقي، نحن محتاجون إلى التخطيط العقلاني من أجل فلاحة عصرية مستدامة، وإلى شراكات بين القطاعين العام والخاص، وإلى فتح الأسواق الافريقية وتعزيز المبادلات البيئية. نحن محتاجون أيضا لتعزيز الاقتصاد الزراعي التضامني، وتمويل المشاريع الصغرى في الريف الإفريقي، مما سيمكن من توفير الغذاء، والشغل الكريم في نفس الآن.
السيدان الرئيسان،
السيد الوزير،
الزميلات والزملاء،
إن المغرب البلد الإفريقي الزراعي بامتياز، لا يبخلُ، ولن يَبْخَلَ، بوضع خبراتِه رهنَ إشارةِ أشقائه الأفارقة، وهو عازمٌ على مواصلة التعاونِ والدعمِ لأشقائه من أجل فلاحةٍ إفريقية كثيفة ومحترِمَةٍ للبيئة.
في هذا الصدد، ينبغي التذكير بمبادرة ” تكييف الفلاحة الإفريقية ” المعروفة بـــــــ les 3 AAA التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله مع عدد من أشقائه الأفارقة، خلال قمة المناخ العالمية المنعقدة في نونبر 2016 بمراكش، والتي تتوخى المساهمة في رفع تحدي الأمن الغذائي الذي كان جلالته استباقيا في اعتباره أكبر تحد تواجهه القارة الإفريقية.
يقول صاحب الجلالة في هذا الصدد: ” وكما نعلم جميعا، فلا الغاز ولا البترول بإمكانه تلبية الحاجيات الغذائية الأساسية. أليس الأمن الغذائي أكبر تحد تواجهه القارة الإفريقية؟
وهذا هو جوهر المبادرة من أجل تكييف الفلاحة الإفريقية مع التغيرات المناخية، التي تعرف بمبادرة “Triple A”، التي أطلقناها بمناسبة قمة المناخ “كوب 22”. إنها مبادرة تمثل جوابا جد ملموس وغير مسبوق، لمواجهة التحديات المشتركة المترتبة عن التغيرات المناخية.
فمباشرة بعد إطلاقها، حظيت هذه المبادرة، بدعم قرابة ثلاثين بلدا.
وتهدف مبادرة “Triple A” إلى توفير موارد مالية أكبر لتحقيق “ملاءمة الفلاحة الأفريقية الصغرى”، وستواكب أيضا هيكلة وتسريع المشاريع الفلاحية بالاعتماد على أربعة برامج، وهي:
- التدبير العقلاني للتربة،
- والتحكم المستدام في المياه المستعملة لأغراض فلاحية،
- وإدارة المخاطر البيئية،
- والتمويل التضامني لحاملي المشاريع الصغرى.”
انتهى النطق الملكي الذي لخَّص منذ أكثر من خمس سنوات مساهمة رؤيةَ المغرب الاستباقية لراهنية الإشكال الغذائي ورافعاتِ قيامِ فلاحة إفريقية ما أحوَجَنا اليوم إلى رؤيتها واقعاً ملموساً يحمي إفريقيا من الجوع والفقر.
ودعمًا لهذا التَّوجه، يُسَخِّر المغرب الإمكانيات الهائلة التي يتوفر عليها في مجال التخصيب من أجل النهوض بالفلاحة الإفريقية من خلال مشاريع مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، وعبر البيوت الزراعية الإفريقية، ووضع المهارات المغربية رهن إشارة عدد من الأشقاء.
يوم أمس ترأس صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله مراسيم تقديم البرنامج الاستثماري الأخضر الجديد للمجمع الشريف للفوسفاط، وتوقيع مذكرة التفاهم بين الحكومة ومجموعة OCP المتعلقة بهذا البرنامج، باستثمار يناهز 13مليار دولار خلال الأربع سنوات المقبلة، وذلك بهدف الرفع من قدرات إنتاج الأسمدة الفلاحية والتحول إلى إنتاج نظيف أخضر. مما سيمكن المغرب والبلدان الشقيقة وخاصة في القارة الأفريقية من مواد التخصيب الفلاحي والأسمدة خلال الفترة المقبلة إلى حدود سنة 2040، وبما يساهم في تحقيق الأمن الغذائي في افريقيا وتوفير المواد الغذائية بأقل التكاليف البيئية والمالية والبشرية.
الزميلات والزملاء،
يشكل الشباب الإفريقي قوةً أساسية من أجل التنمية. وكما سبق لجلالة الملك أن أكد أمام القادة الأفارقة عام 2017، فإن “مستقبل إفريقيا يبقى رهينا بشبابها” ما يبرز “الضرورة الملحة لتوجيه هذا الرصيد الديموغرافي نحو إقلاع القارة”.
وما من شك في أننا مُجمعونَ على أن بطالة الشباب الإفريقي هي أحدَ مُعضلات القارة وهي تعطيلٌ لرأسمالٍ ثمين، كما أنها ظاهرةٌ تستغلها الحركات الإرهابية والمتطرفة ودُعَاةُ الانفصال التي تشكل بدورها إحدى التحديات التي تواجهها بلداننا.
وتعتبر النجاحات التي يحققها الشباب الإفريقي المهاجر والعقول الإفريقية المهاجرة، في العلوم والثقافة كما في الرياضة، درساً لنا جميعا لتقدير طاقات شبابنا، المدعو لمزيد من الالتزام المدني، والسياسي من أجل دعم البناء الدَّوْلَتِي Etatique والمؤسساتي وتعزيز الديموقراطية في القارة التي ينبغي أن تأخذ في الاعتبار سياقاتنا وظروفنا التاريخية وتقاليدنا وثقافتنا الإفريقية، وأن تكون إرادية تبتغيها الشعوب وتتملكها وفق منطق التراكم.
الزميلات والزملاء،
تقع عليكم أنتم الشباب الإفريقي ونُخَبُه السياسية، مسؤوليةُ، وبين أيديكم، أمانةُ، النهضة الإفريقية، وقيام إفريقيا الجديدة، قارة المستقبل. ولَكُمْ في دروس التاريخ الإفريقي، ما يُحَفِّزُ على بلوغ هذا الهدف. فبعد إنجازات رواد الاستقلالات الإفريقية : صاحِبا الجلالة المغفور لهما الملك محمد الخامس والحسن الثاني، والراحلون سيدار سنغور وأحمد سيكوتوري، وباتريس لومبا وكوامي نكروما، وأحمدو أحيدجو وهوفييت بوانيي وغيرهم، برز جيل من الزعماء الأفارقة الشباب يحمل مشعل الإصلاح في مطلع الألفية الثالثة.
فمكافحة الجوع والفقر والتهميش واحتواء النزاعات، عمل سياسي بامتياز، أكثر منه إشكالا مناخيا، والجوع ليس قدرًا لا رادَّ له Ce n’est pas une fatalité، ولكنه منتوج منظومة علاقات، وتوزيع خيرات، واختلالات، وسياسات، ينبغي أن نصححها بإرادتنا، نحن الأفارقة، باحترام تاريخنا، والثقة في إمكانياتنا والتوجه إلى المستقبل متحدين بقرار إفريقي مستقل. وما من شك في أن لنا في ما ينجز شباب إفريقيا وكفاءاتها الرياضية في كأس العالم لكرة القدم خير دليل على قدرات الشباب الإفريقي لرفع التحديات.
شكرا على إصغائكم.