محسن الأكرمين.
انتهى زمن الحديث عن مهرجان مكناس(الكبير) بمواصفات متنوعة، وبات اليوم الحديث عن مهرجان الهوية البصرية للمدينة، والذي يمكن أن يكون رافعة أساسية يسوق للمدينة بامتياز التنوع، وعلامة للأفق التنموي. انتهى زمن التمييز بين ناس مكناس (الأوائل؟) ومن وفد إلى المدينة، فنحن نعيش زمن الحداثة (البعدية) ودولة المؤسسات الدستورية، لا دولة الأعراق والعشائر والقبائل. انتهى زمن التباكي عن المدينة وعن وادي الماضي، فصناعة المعيقات علامة أصيلة بمكناس منذ الزمن الأبعد.
من صنع إخفاقات مكناس؟ لنتخلص من هذا السؤال الماكر باكرا،وذلك قبل الشروع في تفكيك الأسباب والمسببات. ولتسوية هذه المعادلة الضيقة لا بد من قياسها من الزاوية المعكوسة، أي من الحاضر بالعودة إلى الماضي، لأن ما تعيشه مكناس من أعراض النكوص في سلم التنمية (الذكية)، ما هي إلا أعراض حمى (سخانة) مريرة آتية من سياسة الماضي غير البعيد بالمدينة.
قد لا نُعلق إخفاق مدينة على أشخاص ومناصب بعينها، قد لا نكون من فئة الإجحاف حين نتعمد غير ما مرة عدم ذكر مكناس بالبهاء في الماضي، وإغلاق انحصار المدينة فقط في الحاضر. هذه حقيقة قد لا تُعْجب الكثيرة ممن يفخر أنه من جيل الماضي (الذهبي)، فالمدينة كانت بخيراتها الطبيعية زاخرة، وتنعم في الكرم الحاتمي على كل المقاولات الاستثمارية، ولكل ذوي المال من أهل الحل والعقد السياسي. كانت مكناس توازن الحسناء العذراء المتأففة عن الكلام والتبرج والتبهرج، كانت طيعة خدومة في تقديم خدمات أرضها بالمجان، كانت المدينة هي التي تمنح خيراتها للجميع بنسب غير متوازية، تركت فيما بعد المدينة تحفل بالفقر والفقراء، وبات من استفاد من (الريع حلال) وأصحاب (المصالح المشتركة) من وجهاء وأغنياء المدينة. كانت المدينة بحق تُستنزف حد (مص عظمتها) وإتلاف معالمها الكلية.
من الافتراء التام أن نُسوق لأسماء أشخاص قدموا خدمات جليلة للمدينة يذكرهم بها التاريخ، دون أن يستفيدوا من خيرات المدينة. لكن، نفتخر مَجْدا أن مكناس من غير السلطان المولى إسماعيل العلوي(المؤسس الفعلي/ مفهوم المدينة) فلا أحد له الفضل عليها. من حفريات تاريخ قلم الرصاص أن مكناس صنعت أشخاصا بعينهم في السياسة والاقتصاد والمال والاستثمار، ولم تستفد البتة منهم غير كلام فضفاض (أنا ابن مكناس) فما أسوء خُطب المتكلم، والخطاب المكتوب!!
اليوم وغدا، ستبيت مكناس مثل (البقرة الطايحة في الأرض) والجميع يبحث عن الكتف المستملح الذي يروق له لأخذ نصيبه في (الوزيعة). باتت المدينة تعيش إشكالات الحكامة المتقادمة والحديثة، وبرزت لوبيات السياسة والبيع والسمسرة…، حتى تم ارتهان مستقبل المدينة كليا في (بلوكاج) ذميم!! باتت المدينة تؤسس لعهد جديد من فراغ التوجيه في شق بناء النموذج التنموي الجديد (برنامج عمل الجماعة).
قد لا نختلف في حصيلة كفاف المعطيات بين سؤالين متحركين: ما تستفيد المدينة من مهرجاناتها؟ وما يستفيد المنظمون من المهرجانات؟ هي بحق عملية آلة كسارة حصى غير منتظمة الاشتغال لا في المداخل ولا حتى في النهايات، مادامت المدينة تدير ظهرها للتاريخ والحاضر، وحتى المستقبل، وتُغيبُ رؤية الالتقائية على حد سواء. مادامت المهرجانات -(27 مهرجانا وتزيد تقام بمكناس)- لا تحمل رؤية الشفافية في التدبير التفاعلي، والتسيير المالي. ولنا النمذجة في (مهرجان مكناس) والذي كان الرئيس السابق لمجلس جماعة مكناس يتبناه بالنشأة والرعاية. فالفزع التام حين تصبح المدينة تحفل قيمة بين إقامة مهرجان (ما)، وذاك المهرجان لا يعلم به إلا القلة القليلة والمسوقين له داخل حوض منغلق، فهل يقدر هذا المهرجان حمل مشعل تسويق الهوية البصرية للمدينة؟ حتما وبالقطع (لا).