دور تثمين المنتوجات المجالية نموذجا
بقلم: عمر إعكيريش
اقليم تارودانت، مزهو بلؤلؤته التي حباها الله بها، جوهرة سوس، مدينة تارودانت التي نسجت في القلوب تقاسيم الدقة الرودانية، ونقشت في العقول أفكار مبدعيها وفنانيها، ورسمت في العيون أحلام طبيعتها الغناء، تارودانت التي تعانق في شموخ السهل والجبل، في لوحة فنية زاهية.. ما من زائر ولا مقيم بها الا وفي قلبه منها ومن محيطها أغنية تراثية تمجد لتاريخ وعراقة المنطقة، بألسنة ساكنتها المختلفة، الهواري منها والامازيغي، بسورها العتيق الشاهد على حقب تاريخية وأزمنة عديدة، أو هبة ” بفتح الهاء وتشديد الباء” نسيم حريتها الطليقة الممزوجة بهوائها النقي الذي تنتفي فيه عوامل الثلوت البيئي، أو أريج حقول زعفرانها الممتد عبر تالوين، وأشجار الخروب الضارب بجذوره بمنطقة ايمولاس، متحديا قساوة الطقس وعوامل المناخ المتقلبة، أو نبتة الصبار الواقفة بشموخ أبناء ايملمايس الصناديد، أو بخلايا عسل أركانة، وكركاع اهل تفنوت، واركان تفنكولت، ولوز اغرم، وثوم اساكي، أو ومضة من وميض كفاحها الطويل الصبور في التاريخ والحاضر والمستقبل..
قد لا نجد أثرا تاريخيا يوثق للحضارة الرودانية في تقلباتها، اكثر من السور المحيط بالمدينة العتيية، والذي تم تصنيفه تراثا وطنيا مرتبا بموجب ظهير بتاريخ 7 شتنبر 1931 ميلادية، ويعتبر ثالث اعظم سور أثري في العالم بعد سور الصين العظيم وسور كومبالغار الهندي، ويعد أقدم سور تاريخي في المغرب، يعود تاريخ بناءه إلى ما قبل الفتح الاسلامي للمغرب، وتم بناءه على الطريقة والطراز المعماري القديم، وعرف تطورا ملحوظا مع مجيء السعديين، فقد عمل السلطان محمد الشيخ السعدي على تجديد بناء السور، وتخترقه خمسة ابواب رئيسية عملاقة، وهي الابواب التاريخية للمدينة، ويتخلل السور الذي يبلغ محيطه 7250 متر وارتفاعه من 7 الى 9 امتار 130 برجا تستقبل اسراب البلشون والحمام البري واللقالق، وتطل على كل الوافدين من خارج المدينة عبر ربوع الاقليم المتكون من 89 جماعة بكثافة سكانية بلغت 838.820 حسب احصاء سنة 2014..
رحلة لا تتعدى عشرة امتار هي المسافة الفارقة بين هذا الصرح ومقر العمالة، ولكن يفصل بينهما عمر وزمن طويلين، كلاهما يقف شامخا ويكمل احدها الاخر، اولهما يقف في صبر وجلد وانفة، يحيط بالمدينة العتيقة ويحتضنها، وثانيهما ” ناهيك عن البناية” يحوي شخصية اعطت للاقليم ما سيظل خالدا ستتباهى به الاجيال القادمة، وسيبقى محفورا في لوح التاريخ ما بقيت هذه البسيطة، شاهدا على عبقرية مسؤول اقليمي أبى الا ان يصير تارودانت واقليمها ارضية خصبة لمشاريع تنموية رائدة..
سبع سنوات من العطاء والتفاني، فاز فيها اولا بحب كافة الساكنة من أعالي تبقال، الى سفوح هوارة، ودشن لرزمة من المشاريع الرائدة همت كافة القطاعات الحيوية التي لها صلة بالجانب الاجتماعي..
.وسأكتفي في هذه العجالة للتطرق الى ما تم انجازه على مستوى تثمين المنتوجات المجالية والمحلية داخل الاقليم، على ان نسهب في قادم المواضيع في الخوض في باقي التجارب الناجحة..
يعتبر السيد الحسين أمزال عامل اقليم تارودانت النموذج البارز في تنزيل مقتضيات المبادرات التنموية للمبادرة الوطنية وأجرأتها على أرض الواقع بكل نفوذ العمالة، مستنيرا بالتوجيهات الملكية السامية في هذا المجال، معتمدا وضع العنصر البشري في صلب اهتماماته من خلال تحسين الدخل والادماج الاقتصادي للشباب عبر احداث المشاريع المدرة للدخل..
وفي هذا الاطار تم احداث دور تثمين المنتوجات المجالية والمحلية بعد دراسة وتروي، شملت اغلب دوائر الاقليم كدار الزعفران بتالوين ودار العسل بأرݣانة ودار الزيتون بتنزرت ودار الأرݣان بتافنݣولت ودار الخروب بايمولاس ودار الاعشاب الطبية والعطرية بتالݣجونت ودار الثوم باساكي ودار الݣرکاع باهل تفنوت ثم دار اللوز باغرم واخرى في طور تعبئة الموارد المالية لاستحداثها كدار الحناء بالمنيزلة و دار الصبار بايملمايس و دار الدوم بازرار و دار الشيح بتالوين. وكلها مشاريع انبثقت من اللقاءات التواصلية مع الساكنة بمختلف دوائر الاقليم، وذلك لمواجهة الصعوبات الناجمة عن التسويق بالدرجة الاولى، وهنا تحضرني حكاية رددها على مسامعي رفيق دربي في مجال مهنة المتاعب الاستاذ الحسين ناصري عن اسباب نزول دار الخروب بايمولاس، ذلك ان السيد العامل حل بالمنطقة من اجل تدشين مشاريع تنموية بها، عند وجبة الغذاء طلب الجلوس مع رؤساء الجماعات المجاورة لايمولاس من اجل الحوار والتشاور، هناك همهم احدهم لصديقه صعوبة تسويق مادة الخروب المعروفة بالمنطقة، ذلك ان المضاربين بهذه المادة يقتنوها من المصدر ب 2 دراهم ويتم بيعها على مستوى الدار البيضاء بثمن يوازي ثلاثة اضعاف، طلب السيد العامل من الراوي اعادة ما قاله على مسامعه، وهو ما كان بالفعل، ليستفسر العامل عن الكمية المنتجة من هذه المادة سنويا، ليأتيه الجواب ان ما يربو عن 500 طن سنويا هي نتاج مجهود مزارعي المنطقة من هذه المادة النادرة والمفيدة، يروي زميلي انه في تلك اللحظة بالضبط التمس من السيد رئيس قسم العمل الاجتماعي انذاك زهير عليه رحمة الله، ان يعمل من اجل التنسيق والبحث كي يتم تأسيس تعاونية من اجل تثمين هذه المادة الحيوية، ووعد بوضع حجر أساس دار الخروب في غضون سنة، وهو ما كان بالفعل، ليلتقي بساكنة ايمولاس لقص شريط الدار بعد سنة بالكمال والتمام..
هي مسألة عزيمة وارادة، وركوب الصعاب في بعض الاحيان، حتى يتحقق ما استحال تحقيقه على يد الاخرين.. فمن جاء بمبادرة دور تثمين المنتوجات المجالية، والتي اسهمت في تحقيق التنمية وتحسين ظروف عيش الساكنة خاصة بالمناطق القروية، هو نفسه من سن نظام ” تيويزي” المعتمد على التكافل بين الجماعات المشكلة لنفس الدائرة، والتي اطلق عليها ” سياسة الاقطاب” الستة، المشكلة للاقليم، وهذا موضوع ذو شجون سنتطرق اليه لاحقا، اعتبارا انه لعب دورا كبيرا في عملية التكافل والتٱزر بين الجماعات، وفي ذات الوقت خلق نوع من التنافس الشريف..