مكناس تمضي بالتريث ولازالت تبحث عن مدينة الجن والملائكة، وقد أنشد سيدي عبد الرحمان المجذوب زجلا أنيقا يستنسخ حاضر وماضي مدينة صارخ بالأحزان والأهوال(راح ذلك الزمان وناسو… وجا ذا الزمان بفاسو…) نعم ، هو تعامد تناص بين أحداث ماض مجيد ونكوص حاضر، فمكناس باتت تحتفي بالتاريخ القديم أكثر من تنافسية الحاضر. باتت من التوابع القطبية (وجا ذا الزمان بفاسو…)، وبات الردم والحفر مستديما، وذاك الكنز المفقود لم يتم العثور عليه حتى في عمق صهريج السواني، وهو خاوي الوفاض بلا مورد ماء من وادي بوفكران !!!
البكاء يعلو ولا يُجْدي. الكل يكرر بالنقد عوز مكناس في التنمية، وكأن زمن سيدي قدور العلمي وحياته المريرة بعد أن فقد داره (مينته الخاصة)، وبات المسكين (البوهالي) يهيم في الدروب العتيقة شريدا، يسير وحيدا في الليالي السوداء الممطرة مع مكر الماكرين، ويلازمه حجم الآلام التي تعانيه المدينة، وتوقف ذكر رمز الحضارة عند زمن الأسوار والقلاع والأبراج والأبواب والفنادق.
عندها بات الفرح يفرُّ من وجه الناظم (البوهالي)، نظم قوافي العبر والحكمة عن المأساة:( كيف ننسى تلطامي فـي دروب مكناس… غـربتــي وامْبَاتي فـدكَاكَنْ لمدارس… اعياو بيا لحوانت في أسواق لبخاس… ولفنادق وابيوت أو ساير لمجالس … انظل هايم وانبات على الخبال عساس… والصباح نصبح فباب الدراز جالـس… امنين حسو بيا تمة اسطبت لجلاس… رادفو عنــي بالنهرات والنقايم… المباتة بالجوع ولا إطعام مكناس… ولفقر والغربة ولا أصحبت شاتم…) ما أروع دلالة نظمك سيدي قدور العلمي، فقد وفيت واستوفيت التوصيف، وكنت حينها مثل المهدي المنجرة في تنظير المستقبليات !!!
أعترف لكم بالإسرار والإعلان، فقد تسقط كل نعوت القدح كالوهم الزائف من بين أصابعي حبا في مكناس مدينتي، فكلما أصبح نكوص التنمية عذابا متناميا بالمدينة، كلما زادت عظمة مكناس اتساعا عند ناسها. أسميك في السر مكناس فخر مدينة السلاطين. أرسم في الصمت عينيك من علو باب منصور. أكتب قلبي حافظة حب بالتفرد بلا عصبية انفرادية، وأكتب وجهك بنحت ذكريات لا تنصب صفة، ولن تنتهي تاريخيا.
لن أمزق رسم وشم الفرح البهيج، فمكناس إن شاهدت عيونها في المرآة ستقع المدينة في غرام نفسها أنانية من تلك العيون الملاح. لن أصنف مدينتي بين معقوفتين من أزمنة (الحكرة)، فالمستقبل يمكن أن يزهر تنمية. لن أسميك مدينة يوسف عليه السلام، فإن سميتك بحسنه وبهائه سيبقى مجلس جماعة مكناس من إخوة يوسف عليه السلام يمارسون المكائد وحرق ما تبقى من أنفة قوم مكناس الطيعين الطيبين !!!
بحق أسميك الحكايات التي لا تنضب. أسميك أزاهير (تاورة) و(كيتان)، وعطر نوارة … (وجه عروس). أسميك وجعي الصارخ بالحب، أسميك يعقوب (عليه السلام ) الذي ينتظر تمكين الرؤية بعودة يوسف(عليه السلام) للمدينة. أسميك في موضع صف الانتظار قميص يوسف (عليه السلام) حين تسترجع المدينة الرؤية بالإنارة والشمس والقمر، وشجر الزيتون.
محسن الاكرمين