الرباط ، 26 يوليوز 2022
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وآلِهِ وصَحْبِه الأكرمين
السيد الوزير المحترم،
السيدات والسادة النواب المحترمين،
السيدات والسادة،
طبقًا لأحكامِ الدستورِ ومقتضياتِ النظامِ الداخلي لمجلسِ النواب ذاتِ الصلة، نختتمُ اليومَ أشغالَ الدورةِ الت0شريعيةِ الثانية من السنةِ التشريعية الأولى من الولايةِ التشريعيةِ الحادية عشرة على مستوى الجلسات العامة، فيما تُواصلُ اللجانُ النيابيةُ الدائمةُ والمجموعاتُ المَوْضُوعاتية وأجهزةُ المجلس اشْتِغالَها بشكلٍ عادي.
ويَتَزَامنُ اختتامُ هذه الدورة مع تخليدِ بلادِنا لعيد العرش الذي يُخَلِّدُ هذه السنة للذكرى الثالثة والعِشْرين لاعْتِلاءِ صاحبِ الجلالة الملك محمد السادس أعزَّهُ اللهُ عَرْشَ أسلافِه المنعمين.
وأغتنمُ هذه المناسبة السعيدة لأُعربَ لجلالةِ الملك عن أصدقِ التَّهاني وأَحَرِّ التبريكات مُجدِّدًا لجلالتهِ، باسمِ أعضاءِ المجلس جميعِهم، آياتِ الولاء والإخلاص متضرعاً إلى العليّ القدير بأن يحفظَ جلالتَه ويُديمَ عليه نِعَمَ الصحةِ والعافية، ويَحْفَظَه في وليِّ العهد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن وكافة أفرادِ الأُسرةِ الملكيةِ الشريفة.
السيدات والسادة،
تقتضي تقاليدُ العملِ المؤسساتِي أَنْ نقومَ في ختامِ كلِّ دورةٍ تشريعيةٍ بجردٍ لحصيلةِ أشغالِ المجلس وهو يُمارسُ اختصاصاتِه الدستوريةٍ، ويؤدّي مهامَّهُ ووظائفَه المؤسساتية والسياسية، تَوَاصُلاً مع الرأي العام وإغناءً للنقاشِ العمومي، وامْتِثَالاً لحقِّ الناخبينَ عَلَيْنَا في المعلوماتِ والمعطياتِ ليَكُونُوا على بَيِّنَةٍ من أداءِ المؤسسةِ، وعلى الخصوص منه ما لم يَتَمَكَّنُوا من متابعتِهِ مباشرةً وفي حينه، وهو الأكبرُ والأعمقُ والتأسيسي.
وهكذا واصَلَ المجلسُ القيامَ باختصاصاته الدستورية ووظائفه المؤسساتية في الرقابةِ والتشريعِ وتقييمِ السياساتِ العمومية والدبلوماسية البرلمانية، ونَوَّعَ من مبادراتِه تفاعلاً مع السياقِ الوطني وسياقاتِ المُحيط الدولي، وبالخصوص مع انتظاراتِ وتطلعاتِ المجتمع المغربي.
ويَعْكِسُ استمرارُ المَيْلِ أكثرَ إلى العمل الرقابي بمختلف فروعه، وإلى أعمال التقييم في أشغال مَجْلِسِنَا، حِرْصَناَ المؤسساتي الجماعي، معارضةً وأغلبيةً، على التفاعلِ والتجاوبِ مع انتظاراتِ المجتمعِ وهو تجسيدٌ للدينامياتِ الجديدةِ في عملِ المؤسسات، ونوعاً من الانتقالِ في أشغال المؤسسة التشريعية.
وتُؤَشِّرُ أشغالُ اللجانِ ومُحتَوى مُدَاوَلاَتِنَا على مستوى الجلسات العامة على هذه الدينامية الجديدة في العملِ البرلماني. وإِنِّي من المُقتنعينَ بإيجابيةِ هذه الدينامية لأنها تؤكدُ أن قضايَا المجتمع، وكل ما اسْتَجَدَّ من أوضاعٍ، يَجِدُ صَدَاهُ داخلَ المؤسسات التي هي الإطارُ لطرحِ المشاكِل ولإيجادِ الحلول لها على أَساسِ الحوار بين السلط، وبين الفُرَقَاءِ السياسيين، ولأن مراكمةَ مُقَارَبَاتٍ من هذا القبيل يُساهمُ في ترسيخِ التقاليدِ الديموقراطية المؤسساتية.
ففي إطار الاختصاصِ الرقابي للجانِ النيابيةِ الدائمة، تصدرتْ قضايَا تدبيرِ المياه والخصاصُ المسجلُ من هذه المادةِ الحيوية في عددٍ من مناطقِ المملكةَ جَرَّاءَ قِلَّةِ التساقطات الثلجية والمطرية، اهتمامَ مختلف مكوناتِ المجلسِ، تَلَتْهَا قضايا الطاقة في ضوءِ ارتفاعِ أسعارِها على المستوى الدولي، والإجراءات المُوَاكِبة لخفضِ آثار هذا الارتفاعِ على أسعارِ الخدمات والموادِّ الاستهلاكية، وبالتالي على القدرة الشرائية. ومن بين هذه القضايا أيضا أوضاعُ الرياضةِ الوطنية والتخييم.
وذهبَ اهتمامُ المكوناتِ السياسية للمجلس في نفس الاتجاه في ممارسة الاختصاصِ الرقابي الفَرْعِي المتمثل في المهام الاستطلاعية التي رَخَّصَ مكتبُ المجلس لأربعٍ منها كُلِّفت بجَمْعِ معلومات عن : 1- حال شبكاتِ توزيعِ وتسويقِ المنتجاتِ الفلاحية ؛ و2- الإجراءات المتخذة لإنجاحِ عمليةِ مَرْحَبَا 2022؛
و3- المخيماتِ الصيفية لفائدة الأطفال ؛ و4- وضعية مَصَبِّ نهر أُمِّ الربيع.
وفي هذا الصدد، حَرَصْنَا في مكتب المجلس، ومع رؤساء الفرق والمجموعة النيابية، على التَّقَيُّد بضوابط اللائحة الداخلية للمهام الاستطلاعية عقلنةً وترشيدًا للزمن البرلماني، وتجنباً لحالاتِ تَضَارُبَ المصالح وإنجازِ التقارير بمِهَنِيَّةٍ، وفي إطار الحياد والموضوعية، وتجنب هدرِ الجهد من خلال الحرص على أن يُنهي السيدات والسادة النواب المكلفُون بالمهامِ الاستطلاعية أعمَالَهُم في الآجالِ المعقولة.
الزميلات والزملاء،
السيدات والسادة،
وفي باب الأسئلة اسْتَأثرتْ قضايا الساعة باهتمام السيدات والسادة النواب وهم يسائلون الحكومة. وهكذا تَمَحْوَرت الجَلستان اللَّتانِ أجابَ خِلالهُما السيد رئيس الحكومة على أسئلة المجلس حول موضوعين راهِنَيْنِ وَجِدُّ هامَّيْن، وهما الاستراتيجية الاقتصادية العامة لمواجهة التقلبات العالمية، ومُعِيقاتُ ورهاناتُ المنظومةِ الصحية ببلادنا. ولسْتُ في حاجة إلى إعادة التذكير بِرَاهِنيَةِ وأهميةِ هَذَيْنِ الموضوعين وشموليتِهِما وارتباطِهما بالسياق الوطني.
وسَارَتْ محتويات الأسئلة الشفوية الأسبوعية الموجهة للحكومة في أفق الاهتمام ذاته ، إذ غلبت عليها قضايا نُذْرَةُ المياه، والطاقة والفلاحة، والسيادة الغذائية، والحوار الاجتماعي، والتشغيل، والحماية الاجتماعية، والتعليم، وغيرها من القضايا التي تم تَنَاولُهَا في أكثر من 1300 سؤالٍ شفوي وَجَّهَهَا أعضاءُ المجلسِ للحكومةِ التي أجابت عن أكثر من 300 سؤالٍ تَمَّتْ برمجتُها وِفْقَ المساطرِ المَرْعِية كان منها 73 سؤالٍ آنيا.
بالموازاة مع ذلك وَجَّهَ أعضاءُ المجلسِ للحكومة أكثر من 2200 سؤالٍ وتَوَصَّلوا بأجوبةٍ عن أكثر من 1400 سؤال.
وفي ما يخص التعهدات الحكومية، شَرَعْنَا في تفعيلِ مقتضياتِ النظام الداخلي ذاتِ الصلة بهذا المدخلِ الرقابي على مستوى اللجانِ النيابيةِ الدائمة عملاً بمقتضياتِ المادة 114 من النظام الداخلي، إذ تَمَّ جردُ 222 تعهداً على مستوى اللجان و73 تعهدا حكوميا على مستوى الجلسات العامة. وقد فَعَّلْنا المساطرَ ذاتِ الصلة بهذه التعهدات بمراسلةِ الحكومة في شأن مآلاتها.
وفي إطار ممارسة اختصاص التشريع، صادق المجلس على 19 نصاً منها ثلاثة مقترحات قوانين و16 مشروع قانون علماً – وهذا أمر أساسي – بأنّ ثَمَانية نصوص من حصيلةِ التشريعِ برسمِ الدورة، هي قوانينٌ تَأْسِيسيةٌ تتعلقُ بأنشطةٍ وخدماتٍ وحقوقَ أساسية، من قبيلِ مشروعِ القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدَّفع بعَدَمِ دستوريةِ قانون، ومشروع قانون يتعلق بالتحكيم والوساطة، ومشروع قانون يتعلقُ بالسِّجل الفلاحي الوطني، وآخر حول حقوق المؤلف، ونصوص حول سندات القرض، وإحداث مؤسسة مشتركة للنهوض بالأعمال الاجتماعية لموظفي عدد من القطاعات الوزارية والإدارات العمومية، وإضفاء الحكامة والعصرنة على ممارسة الإحسان العمومي وتنظيمه. وينبغي الإشارةُ في هذا الصدد إلى أن المصادقة على 95% من النصوص كان بالإجماع، مما يعكسُ وَحْدَةَ المكونات السياسية للمجلس في ما يخص القضايا الحيوية والأساسية للبلاد، ومِمَّا يعكسُ قوةَ وصلابة نَمُوذَجِنا المؤسساتي المبنى على التوافق.
السيدات والسادة
في إطار ممارسة اختصاص تقييم السياسات العمومية، واصلت المجموعاتُ الموضوعاتية الثلاث المكلفةُ بتقييم كل من الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة، ومخطط المغرب الأخضر، والسياسة المائية، أعمالَها الميدانية، مركزياً وتُرابياً، والاستماع إلى كافة الأطراف المعنية، والمتدخلة، والمستفيدة من كل سياسة عمومية موضوع التقييم، مع الحرص على احترام حدود الانتداب البرلماني ومقتضيات النظام الداخلي والاقتداء بمحتوى الإطار المرجعي لتقييم السياسات العمومية.
ولا تَخْفَى عليكم الأهمية الخاصة للسياسات موضوعَ التقييم في السياقات الراهنة وضرورة إنجاز أعمالَ تقييم موضوعية تمكننا من تشكيل رؤية حول المنجز وحكامته وسبل تحسينه من خلال التوافق حول توصيات ومخارج تكون بدورها مداخلَ لأجيالٍ جديدة من الإصلاحات، تُحَسِّنُ الاستهداف والمردودية وتجعل الإنْفاقَ العمومي مُنْتِجًا وذا مردودية.
وأودُّ بالمناسبة أَنْ أُثْنِي على العمل المكثف والدقيق الذي يقوم به السيدات والسادة النواب المُكلفون بأعمال التَّقييم هَاتِهِ التي شارفت عمليتان منها على الانتهاء.
واعتباراً للأهمية التي تحظى بها حقوقُ النساء في بلادنا، وحرصاً على إعمال القوانين ذات الصلة بهذه الحقوق، أَحْدَث مكتبُ المجلس مجموعة موضوعاتية مكلفةً بتقييم شروط وظروف تطبيق القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء. ونتطلع إلى أن يمكننا هذا التقييم من تجويدِ التطبيق السليم لمقتضيات هذا القانون بما يكفل حقوق المغربيات ويحميهن من العنف المادي والرمزي.
ومن أجل ضمانِ الاستثمارِ الأنْجَعِ والأَفْيَدِ لتقارير المؤسسات الدستورية وهيئات الحكامة وآرائها الاستشارية، حَرَصْنَا على أن تَتِمَّ إحالةُ هذه الوثائق على اللجان النيابية الدائمة، مع مراعاةِ الاختصاص، قصدَ استنتاجِ ما يتعينُ استنتاجُه منها والنَّظرِ في إمكانية برمجَتِها في جلساتٍ عامة للمجلس بما يُغْنِي النقاشَ العمومي، ويجعلُ هذه التقارير ذاتَ مَرْدُوديةٍ على مستوى التشريع وحكامةِ المرافقِ العمومية، وتَبَيُّنِ أثرِ السياسات العمومية والانفاق العمومي على المجتمع، وبما يمكن من تملك محتوياتها.
السيدات والسادة،
اقتداءً بضوابطِ السياسةِ الخارجية للمملكة كما يحددها ويرعاها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وفي إطار التنسيق والتعاون مع الدبلوماسية الرسمية ومجلس المستشارين، واصل مجلس النواب اشتغالَهُ وحضوره الفاعلَ والمُؤَثَّرَ واليَقِظ في واجهةِ العلاقات الخارجية والدبلوماسية البرلمانية.
وهكذا، احتضن المجلس وشارك على مستوى الرئاسة ومكتب المجلس والشُّعَبِ البرلمانية في حوالي ثلاثين مؤتمراً ولقاء عاما وموضوعاتيا متعدد الأطراف، دوليا وقاريا، وإقليميا، تمحورت حول القضايا الراهنة من قبيل مكافحة الإرهاب والدفاع عن السلم والديموقراطية والهجرة وحقوق الإنسان وأثر الجائحة على الاقتصاد العالمي، والبيئة، وإدماج الشباب في التنمية، والمساواةُ بين الرجال والنساء وغيرها.
وتجاوزت اللقاءات الثنائية التي أجريناها في المجلس على مستوى الرئاسة والمكتب والفرق واللجان النيابية، الأربعين لقاءً.
وكانت مشاركة المجلس في هذه المؤتمرات واللقاءات والمباحثات الثنائية التي أَجْرَيْنَاها مع عددٍ من المسؤولين البرلمانيين، مناسبةً للتعريف أكثر بالقضايا الوطنية الحيوية والدفاع عنها، وفي مقدِّمتها قضيةُ وحدتنا الترابية والدينامية الإنمائية التي تعرفها الأقاليم الجنوبية المغربية، ومشاركةُ أَخَوَاتِنا وإخوانِنَا بهذه الأقاليم وتعبئتهم من أجل ربح رهان التنمية ومشاركتهم بحماسٍ نوعي في مختلف الاستحقاقات الانتخابية من أجل اختيار المؤسسات الترابية والوطنية.
وبالتأكيد، فإنَّ اشتغالَنا في هذه الواجهة تَيَسَّر كثيراً بفضل سُمْعةِ بِلادنا ومَكَانتها وتموقعها القاري والدولي، وأساساً بفضل رؤية صاحب الجلالة نصره الله التَّوقعية، وسياسته الحكيمة وحصافة رأيه.
وكان من أبرز الفعاليات التي احتضنها البرلمان المغربي خلال هذه الدورة، أشغال الجلسة العاشرة للبرلمان الدولي للتسامح والسلام، التي انعقدت بالرباط والداخلة وتُوِّجَت بـ “إعلان الداخلة” الذي نعتبره وثيقةً مركزيةً هامة وشاملة في الدعوة إلى نشر ثقافة وقيم التسامح والتبادل والتنوع تربط بين القيمي والمادي والاقتصادي والسياسي-المؤسساتي.
واحتضنت بلادُنا أيضا أشغالَ الدورة الاستثنائية 26 لمنتدى رؤساء ورئيسات المؤسسات التشريعية في أمريكا الوسطى والكارييب والمكسيك (فوبريل)، والتي كانت مناسبة لحوار غني ومثمر يَسْتَشْرِفُ المستقبل، وهي مناسبة يسرت أيضا توطيد علاقاتنا مع هذا الفضاء الجيوسياسي، وتُوِّجَت باعتماد وثائق هامة للعمل المشترك.
وخلال هذه الدورة، احتضن البرلمان المغربي في كل من مدينة الرباط ومدينة العيون أيضا، أشغال الجلسة العامة والمنتدى البرلماني بين المغرب ودول الأنديز والتي خصصت لموضوع “التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري والأمن الطاقي” بالإضافة إلى ندوة حول “الأمن الغذائي”.
ولست في حاجة إلى إعادة التذكير براهنية هذه المواضيع وبالرسائل الهامة التي يحملها احتضانُ بلادِنا لمثل هذه اللقاءات وخاصة تصميم أصدقائنا على أن تنعقد بين الرباط والعيون والداخلة.
وفي ما يخص الشراكات وبرامج التعاون الدولي، شرعنا في إنجاز مشروع توأمة مؤسساتية ممولة من شريكنا التاريخي الاتحاد الأوروبي، وتجمع مجلس النواب مع المؤسسات التشريعية في كل من فرنسا والتشيك وبلجيكا مدعومة بأربع مؤسسات تشريعية في كل من إيطاليا والبرتغال وهنغاريا واليونان، وهو ما يعتبر عربون تقدير لبلادنا ولمجلسنا، وينضاف إلى برامج التعاون الأخرى الجاري تنفيذها مع عدة هيئات دولية.
السيدات والسادة،
على غرار باقي البلدان تتحملُ بلادُنا أعباءَ ثلاثِ سياقاتٍ دولية غير مسبوقة من حيثُ حِدَّتُها، ومن حيثُ امتداداتُها، ومن حيْثُ تَكَاثُفُها والتحديات التي تنتجها. فبعد جائحة “كوفيد 19” وتداعياتِها الاقتصادية والاجتماعية وكُلفتِها المالية الباهضة، يدفع العالم ثَمَنَ الحرب الواقعة في شرق أوربا مع ما لذلك من نتائج على مستوى تزويد العالم بالمواد الأولية، خاصة المحروقات والحبوب. وإلى هذين السِّياقين، ونتيجةً لهما، نواجهُ، كباقي أعضاء المجموعة الدولية، ارتفاعَ الأسعار، أسعارَ المواد الطاقية بالخصوص وتداعياتها على كُلفة المعيشة. وإلى هذه العوامل السلبية الثلاثة يُعاني المغرب من جفاف غير مسبوق مع كل الآثار الناجمة عن ذلك على الإنتاج الزراعي والمياه.
ومع ذلك، فإنَّهُ لَنَا أن نَفُخَر بِقُدْرَةِ بلادِنا على امتصاصِ هذه الصدمات، وقدرةِ الاقتصاد المغربي على الصُّمود، بفضلِ الإصلاحاتِ التي اعْتَمَدَتْهَا المملكة منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس أعزه الله، الذي قادَ المغرب، ويقودُه، بحكمة وتَبَصُّرٍ وبُعْدِ نظرٍ ورؤيةٍ استراتيجيةٍ استباقيةٍ وتوقعيةٍ، كما ثَبَتَ ذلك في سياق الجائحة، وفي سياقات أخرى عديدة.
وفي مُوَاجَهة تداعيات هذه السياقات تُواصلُ بلادُنا مراكمةَ الإصلاحاتِ والانتقالاتِ، ومنها تعميمُ الحماية الاجتماعية وفي قَلْبِها الخدمةُ الصِّحيةُ العمومية تجسيداً لدولة الرعاية الاجتماعيةِ، فيما يُواصلُ المغربُ تَمَيُّزَهُ في ضمان الأمن الغذائي، وتوفير المواد الغذائية وتَمْوينُ الأسواق، رغم الضغط الكبير الواقع على أسواق التموين الدولية ورغم الظروف المناخية الاستثنائية التي تعاني منها بلادُنا هذه السنة، والنقص الحاد في الموارد المائية التي علينا أن نتعبأَ جميعاً من أجل حُسْن تدبيرها واستعمالها على نحوٍ عقلاني وبسلوكٍ مواطن.
وبالموازاة مع ذلك، تُواصِلُ بلادُنا تحقيق انتقالِها الطاقي بإنجاز مزيد من مشاريع إنتاج الطاقة من مصادرَ متجددةٍ غيرَ مُلَوِّثَة باعتبارِ ذلكَ جزءً من التزامَاتِها الدولية ومصدراً آمنا لحاجياتنا من هذا المورد الضروري لعجلة الاقتصاد، وحرصا على ضمان السيادة والاستقلال الطاقي . ورغم السياق الدولي الصعب، يُوَاصِلُ المغرب جَذْب الاستثمارات الخارجية المباشرة وغير المباشرة وهو يُحَقِّقُ في هذا المجال مؤشراتٍ إيجابيةٍ وارتفاعاً واضحاً في تَدَفُّقِ الاستثماراتِ الأجنبية.
وبالتأكيد، فإن هذه الانتقالات، وهذا المُنْجز الاقتصادي والاجتماعي والخدماتي، يتحققُ ويترسخُ بفضلِ قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس ورؤية جلالته الاستباقية والتوقعية، وانخراط كافة مكونات الشعب المغربي ومجموع المؤسسات الوطنية والقوى الحية في البلاد في هذه الدينامية التي تُجَسِّدُ قدرَةَ المغرب على تحويلِ الأزمات إلى فرصِ نُهُوضٍ، والندرةَ إلى ابتكارٍ. وبالتأكيد كذلك، فإن هذا الصعود المغربي، يَجدُ أساسَه وقوَّتَه المحركة في قوة المؤسسات ورُسوخِها وتَجَذُّرِها واستمراريتها، عِمَادُها مَلكيةٌ دستوريةٌ عَرِيقَةٌ راعيةٌ للحقوق وصائنةٌ للاختيار الديموقراطي يَلْتَفُّ حولها الشعب المغربي بمختلف مكوناته. وفي سياق الأزمات الدولية ومحيط دولي مضطرب في عدد من المناطق الجيوسياسية، يتعين علينا تكثيف التعبئة حول مؤسساتنا وتقويتها في إطار نموذجنا المؤسساتي وتعزيز الوحدة التي لا تنفي الاختلاف والتنوع.
السيدات والسادة،
إننا إذن في السياق الدولي الراهن، إزاء تحولات عميقة جيوسياسية واقتصادية واجتماعية، سترهن بالتأكيد العلاقات الدولية والتوازنات الإقليمية. ووسط هذه التحولات تواصل بلادنا تثبيت اقتدارها، قوةً ديموقراطية صاعدة، ويرسخ المغرب دوره المحوري شريكا صادقا في بناء السلم وتحقيق التنمية، كما يواصل ترسيخ حقوقه التاريخية المشروعة في وحدته الترابية بانتصار مزيد من الدول، ومنها القُوى النافدة في القرار الدولي، لمواقف المملكة ورؤيتها لتسوية النزاع المُفْتَعل حول أقاليمنا الجنوبية، والمتضمنة في مقترح الحكم الذاتي باعتباره الحل الحَصري الوحيد والممكن لهذا النزاع في ظل سيادة المملكة على الأقاليم المسترجعة ووحدة أراضيها من طنجة إلى لكويرة.
وبالتأكيد، فإن هذا التموقع، يَجِدُ قاعدَتَه الأساس في سياسة صاحب الجلالة حفظه الله، وفي المنجز الإنمائي والمؤسساتي على الميدان والمصان بالتفاف الشعب المغربي خلف صاحب الجلالة، وبصمودِ وبَسَالةِ القوات المسلحة الملكية وهي تحمي حدود الوطن. فإلى هذه القوات وقائِدِها الأعلى ورئيس أرْكان حربها العامَّة صاحب الجلالة أعزه الله، كل الامتنان والتقدير والإجلال.
وفي الختام أود أن أشكركم، أنتم السيدات والسادة أعضاء المجلس وأعضاء المكتب رؤساء الفرق والمجموعة واللجان النيابية كما أشكر رئيس وأعضاء الحكومة على تعاونهم، وعلى تضافر جهود الجميع التي كانت خلف هذه الحصيلة. كما أشكر موظفات وموظفي المجلس ورجال ونساء الأمن على ما يوفروه لنا من دعم وظروف عمل ملائمة.
شكرا على إصغائكم.