محسن الأكرمين.
كانت كل الأيام عيدا عند المرأة، حين سكنت حواء الجنة بالتفرد في عيون آدم. كانت حواء تنعم بطيب حب آدم المستدام، وغير المنتقع. كانت حواء تتلقى يوميا هدية ورد يانع منه. كانت حواء لا تحتاج إلى من يحتفي بها خارج ظل شجرة فاكهة التفاح الطرية والشهية. سقطت التفاحة اللعينة أرضا بحكم جاذبية العالم الفيزيائي نيوتن، فكانت وسوسة إبليس اللعين قد أقنع حواء بإغواء قضم التفاحة من آدم، و إعلان بداية عصيان منبهات التحذير الرباني الأولية والصارمة. إنها أولى الخطوات التي جعلت من حواء تتنازل عن امتيازات عيدها الأبدي بالدوام في الجنة.
عيد نون النسوة في الأرض السفلية، كان يبحث عن تصالح الأنفس بين آدم وحواء، بعد تنافر وجداني، وجدال في البحث عن السببية، والجواب عن أسئلة: من أخرج الآخر من الجنة؟ هل هي حواء وشكها المتزايد في وفاء آدم؟ أم آدم وإيمانه المطلق بحب حواء، وقرار القضمة الأولى؟ قطعت البشرية قرونا متتالية، وسحيقة في سماع التاريخ المحكي المشوه. وكانت بداية المشوار الحداثي الاحتفال بتصالح أبناء آدم من الذكور، وبنات حواء من الإناث، في يوم عالمي واحد ووحيد للمرأة لجبر الضرر، ورفع حيف الماضي. كانت أحداثا موجعة وفزعة في التاريخ المكتوب وغير المكتوب، ولازالت ابنة حواء تسأل عن حقوقها في مساواة اقتسام الذنب والجزاء، وتقاسم الفرح والحب كذلك.
قد يكون عيد المرأة في كل ثامن من(8) مارس، زكاة حَول بتوزيع ورود من بساتين الأرض السفلية، وتبادل قبلات التهاني، وتمطيط ابتسامات مفعمة بالحب والاحترام. عيد بنات حواء السنوي، بات يخلد ذاك التصالح مع الذات المؤنثة، والآخر بصفة المذكر، بعد التنافر، والنزول من الجنة جزاء العصيان. عيد يذكر الجميع بتكفير آدم عن أنانيته، وإلقائه اللوم المستطيل تجاه رفيقة حياته حواء حين أخرج من الجنة بمسامحة ربانية. حين أطبق عليها الشيطان بالوسوسة المريبة، وصنع في قلبها شكا تجاه حب آدم لها. حين غرر بها إبليس وأراها صورتها الحسناء البهية على مسطح ماء نهر الجنة البلوري، وخاطبها إبليس بمكره الذكي: هذه هي الأنثى التي يعشقها آدم.
حقيقة لم يكذب الشيطان حين قال لها: هذه هي الأنثى التي يعشقها آدم، ولكنه استغل فورة غيرتها، وحب الامتلاك لآدم. استغل فيها قرارات التفكير السريع في المرتدات غير الرزينة. استغل وحدتها، وألمها العاصر في فقدان نصفها الثاني في الجنة الفسيحة. أطبق عليها بغباء منطقات تفكيرها، فآمنت بخطة الشيطان الماكر، وخيرت آدم بغرور بين التذوق الأول من الشجرة، أو الفراق والتباعد. وبعد أن تناولا قضمة ذوق من الشجرة الدانية “بدت لهما سوءتهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة…/ قرآن كريم”.
خلاف آدم مع حواء، كان بحق مشكلة متنكرة تحمل بداخلها فرصا ربانية بديلة، النزول نحو الأرض والتمرن على الحياة المتعبة. خلاف نمت رقعته بتقاذف عبارات وجع الحب، وغياب باقة الورد المزهرة الدائمة الحضور بينهما في الجنة. تتوالى الأيام، وتزيد الاتهامات المتبادلة بينهما بلا توقف، ولا تمهل أحدا منهما بالتأني والتفكير في الأسباب لا عن تفكيك الأعراض. خلاف لم يعمر كثيرا بالجنة بعد الغضبة الربانية عليهما، والنزول إلى الأرض سويا، بعد أن” عصى آدم ربه فغوى…/ قرآن كريم ” .
في الأرض السفلية لم تراجع حواء نفسها، ولو باعتذار شكلي، وتجدد وجودها بملازمة آدم، و عيش التكفير المشترك. مع الأيام، والسرعة الزمنية التراكمية، وبعد نزاع قابيل وهابيل حول مرجعية القربان، والنهاية التراجيدية بقتل قابيل لأخيه هابيل . كان التاريخ يؤرخ لسلالة جديدة من الرجال المستبدين بالقسوة، والغلاظ الطباع. كان الهدهد يتابع بلقيس ملكة سبأ بالتجسس والتحري عن ملكها العظيم. كان الهدهد شهيدا وفيا عن ملكها القوي، وهي سيدة اليمنيين والإثيوبيين. كان سيدنا سليمان يخطط لامتلاك قلب بلقيس، وعرشها قبل أن يرتد رمش عينيه. هي الأدوار التبادلية غير التنافرية، التي قد تصنع صرح بحر الثقة بالاحترام بين أبناء آدم من الذكور، وبنات حواء من الإناث.
تغيرات أحداث التاريخ المريرة، غيرت التصورات والموازنات، وأصبحت المرأة تطالب بيوم احتفال، ووردة وحيدة، وبوقفة تأمل عند المنجزات النسوية أمام الكاميرات، و حكاية معادلة الإنصاف وتكافؤ الفرص، ونظام تجدد القوانين !!! تغيرت أحداث التاريخ الصادقة، ولم تتغير الأفعال أبدا بين ظلم متبادل بين أبناء آدم من الذكور، وبنات حواء من الإناث. تغير التاريخ، وبات الاكتفاء ببسمة ووردة تجاه إرضاء غرور حواء في يومها العالمي 8 مارس.