قد نفر من الماضي ونحن نحمل معنا الخوف المزدوج، من شدة قسوته. قد نكره تذكر أحداث الماضي من شدة بؤسه ونغني ترديدا مع الكورال ” وردة على وردة قالوا: ماذا جرى؟ قلت أنا لميما قلبي مجروح … كيا على كيا قولوا لي كواني لي مشى وخلاني … دمعة على دمعة قولوا للغالي لي مشى بلا رجعة هذه هي الدنيا … “. لكن، يبقى الماضي حاضرا بيننا، ونتقاسم موارده المتدفقة، وقد يفد عندنا بالدوام، وبلا تقطع حتى في كوابيس نوم الليل. هو الماضي الذي نصنفه خفية بترقيم ذاكرة مشتركة، ونضع عليه حراسا شدادا غلاظا. وحين يهزنا الحنين إليه، نخرجه مثل جني علي بابا من قمقم فانوس مظلم، فيعمل على ترويع الجميع !!!
من المفارقات العجيبة، حين يصير المستقبل وَهماً مُحنطا بالخوف والفزع، ويضع حواجز معيقة لاقتحام التغيير، والتطوير. حين يصبح المستقبل صعب التطويع، والقيادة الآمنة. من الخدع المتكررة، حين يبقى الماضي حاضرا وواقفا، ويتحرك بسرعة البراق، وينقط المستقبل بالإيجاب مع طارق بن زياد (حرق سفن العودة)، أو بنهاية السلبي، وإحراق روما من شدة الحب !!!
قد نعيش عيش المخدوع والخدع، وهي صدمة من الواقع. فلعبة الحياة حتما لا تنتهي قطعا بالبسمة والفرح (الولادة)، بل بنهاية البكاء حتما (الموت) فنزار قباني يقول : لعبة الحياة (مثل الموت والولادة صعب أن يعاد مرتين) . هي المرايا المنكسرة، التي تعري العيوب جلها، ولا تبقينا في قفص بحكم البراءة. هي المرايا التي قد تبكينا صدمة من مساوئ الأفعال المسكوت. هي قيم الإنسانية الخاملة بالنوم والكسل ، والتي لا يقدر أحد عن كشفها وتعريتها بنيويا، للتوضيح والتجديد.
مرات عديدة، ونحن نبحث عن تموضع القلوب بين ثلة اليمين وكثلة اليسار. مرات نتحسس دقات قلوبنا الباهتة، فنطالب من الآخر إجراء تخطيط لنبضات الحياة المتوقفة. إنها الآفة الوضيعة من أشكال المغالطات المتراكمة، فالدنيا قد تكون في قنينة عطر تظهر وتختفي مثل الثعلب. لكن الثعلب تعلم وبات ذكيا، ويمارس مهارات الحيل بالتجديد. بات يجدد طاقته الذاتية باستبدال ألوان المكر، والخديعة (الحديدانية).
من بهتان عشق الدنيا، حين نقبل شفاها حمراء، ويأتي الخريف ليسقط تويج بتلة الزهرة أرضا. فالحب والحزن فلسفلة متحركة لتأثيث الحياة بصور من جيل الأبيض والأسود. هي معارك متناحرة من الحياة التي لن ينكرها أحد أنه عايشها بالربح والهزيمة. فحين يحضر الحزن في الحاضر نتوقع أن علبة الصندوق قد فتحت ليلة القدر. وحين نحلم بالمستقبل، نكون قد ضيعنا جزءا من الماضي بالنكران والتناسي. فمن منا، يقرأ ذاته (أنا حزين،إذا أنا موجود) !!من منَّا، يصنع محرقة تشابه نار سيدنا إبراهيم، ويخرج منها سالما آمنا من الحزن، ومن الألم المتناثر، ومن كل المخلفات النفسية “كيا على كيا قولوا لي كواني لي مشى وخلاني …” !!!
من سذاجتنا أننا لا نستمع إلى قلوبنا حين يخفت خفقانها بالتريث والوفاء. من الأمراض النفسية أن رسم قلوبنا الطبي سليم في بطاقة الآلة، ونحن نعيش متعة الألم و اختناقات وجع التنفس. قد تموت حواس الحب والحزن، قد نفقد متعة الحياة في الحاضر والمستقبل، لكنا قد لا نفقد حلاوة الماضي إذا ما طورنا عقباته وفجواته إلى قناطر طريق بدون مخفضات سرعة نحو حلم المستقبل.