بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه
السيد رئيس مجلس المستشارين،
السيدات والسادة البرلمانيين،
السيدات والسادة،
نلتئم في هذه الجلسة المشتركة لمجلسيْ البرلمان من أجل القضية المركزية الأولى بالنسبة لبلادنا، قضية الوحدة الترابية للمملكة، وفي سياق تعبئة وطنية كبرى عنوانها الأبرز مزيد من الالتفاف خلف صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله الذي يقود بحصافة وبُعْدِ نظر استراتيجي تدبير هذا الملف، مِمّا أثمر الوصول إلى التحول التاريخي في ملف أقاليمنا الجنوبية يوم 31 أكتوبر 2025 بمصادقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على القرار رقم 2797 بشأن قضية الصحراء المغربية.
ونود في البداية أن نجدد لجلالته، بهذه المناسبة، عبارات الولاء والإخلاص والشكر والامتنان، وهو الذي يقود المملكة على طريق التقدم والتحديث والنماء، وهو أيضا الذي قادها الى هذه المحطة الحاسمة من المكتسبات في قضيتنا وملفنا الأول: الوحدة الترابية للمملكة.
بالفعل، الزميلات والزملاءالبرلمانيين، لقد حقق المغرب ما حقق من مكاسب وتكريس للشرعية، ضمن منجز وطني كبير تراكمت عناصره على مدى 26 عاما من حكم صاحب الجلالة الملك محمد السادس أعزه الله، بكثير من المثابرة، والحكمة وبعد النظر، والتضحيات، والإصلاحات العميقة والهيكلية على مختلف الأصعدة.
وفي قلب هذه المثابرة والتضحيات، تضحيات القوات المسلحة الملكية الواقفة سدّا منيعاً لدرء أي خطر قد يهدد أمن وحدود الوطن من طنجة إلى الكويرة. فإلى هذه القوات وقائدها الأعلى ورئيس أركان حربها العامة، صاحب الجلالة، نرفع كل عبارات الامتنان والتقدير والثناء.
في قلب هذه المثابرة، أيضا، ما يدعو إلى الفخر، وما نستحضره دومًا بكامل الاعتزاز، المجهود الإنمائي الاستثنائي الرائع والمستدام الذي ينجز بأقاليمنا الجنوبية والذي ينفذ بتعليمات وتوجيه وعناية خاصة وتتبع من طرف صاحب الجلالة تجسيدًا لنموذج تنموي رائد ومهيكل نجح في إحداث تحولات كبرى في البنيات التحتية والخدمية والخدمات الاجتماعية في هذه الأقاليم.
السيدات والسادة،
إن تصويت مجلس الامن على القرار رقم 2797 بشأن قضية الصحراء المغربية، لا يجسد فقط إقرارا بحقوق تاريخية ثابتة وبسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، بل إنه أيضا تكريس واعتراف وعربون ثقة من المنتظم الدولي في النموذج السياسي والمؤسساتي المغربي، والذي قوامه وركائزه التنمية في أبعادها المختلفة، والديموقراطية بمضامينها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والانفتاح والتشبث بقيم السلم والتسامح والعيش المشترك واحترام الاخر، في إطار تقاليدنا المؤسساتية وثوابتنا الوطنية، فضلا عن انه تقدير لتموقع المغرب على المستوى الدولي.
وترتكز بلادنا في ما تحققه، على عراقة مؤسساتها واختياراتها الديموقراطية التي اغتنت وتعززت بمصالحات كبرى: مصالحة مع التاريخ وفي إطار التاريخ، مصالحة مع المجال، مصالحة مع الروافد الثقافية الوطنية. وبالتأكيد، فإن أمة نجحت وأبدعت في كل هذه المصالحات، ستنجح بالتأكيد في الترحيب والمصالحة واحتضان جميع أبنائها بمن فيهم أخواتنا وإخواننا في مخيمات تندوف، وهو ما أكده صاحب الجلالة في خطابه السامي يوم 31 أكتوبر 2025.
وسواء تعلق الامر بالمصالحات أو التنمية أو الديموقراطية، فإن الامر يتعلق بتوجه الى المستقبل بثبات وفي إطار الوحدة، وفق رؤية ومقاربة مفتوحة على المحيط الإقليمي القريب، بعد أن أثمرت الرؤية الملكية نجاحات كبرى في الشراكات القارية والارومتوسطية والدولية.
السيدات والسادة،
في الانعطافة التاريخية التي يحققها ملف وحدتنا الترابية على مستوى الأمم المتحدة، حيث تم على مستوى المنتظم الاممي تكريس مخطط الحكم الذاتي سقفا وأساسا للتفاوض، تتجسد قيمة القيادة، قيادة صاحب الجلالة، وقوة المواقف والتشبث بالمشروعية القانونية والتاريخية التي يقود بها، وعلى أساسها يدبر جلالته بحكمة الملف على المستوى الدولي.
ويندرج كل ذلك في إطار عقيدة دبلوماسية مغربية أسسها جلالته على الصدق والوفاء والتعاون والعمل من أجل السلم واعطاء الصداقات والشراكات، بعدًا إنسانيا وإنمائيا.
وفي هذه المرحلة التاريخية الحاسمة، يتحتم علينا كمكونات سياسية، مواصلة المساهمة في ترسيخ بنائنا المؤسساتي وربح رهانات الصعود الاقتصادي والتنموي الذي نحن بصدد إنجازه، ملتفين خلف صاحب الجلالة حفظه الله. فبقدر قوة مؤسساتنا، وإثمار إصلاحاتنا اجتماعيا وبشريا واقتصاديا، بقدر ما يتقوى تموقعنا الدولي أكثر ويتعزز تأثيرنا الدولي دبلوماسيا وسياسيًا، مع كل ما يتطلب ذلك منا في السلطة التشريعية من تعبئة.
ويتعين علينا في هذا المسعى تمثل توجيهات صاحب الجلالة نصره الله، المتوجهة إلى المستقبل والمستحضرة لحجم التحديات ونبل الرهانات، ومنها ما ورد في خطاب جلالته السامي في افتتاح الدورة التشريعية الحالية حين جدد التأكيد على تعبئة جميع الطاقات لربح رهان توجه المغرب الصاعد من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية.
ويقتضي ذلك أيضا، تمثل دعوة جلالته الى تغيير ملموس في العقليات وفي طريقة العمل من أجل تحقيق التحول الكبير.
وفي صلب كل هذا، ينبغي لنا من موقعنا، تكثيف اشتغالنا في واجهة العلاقات الخارجية والدبلوماسية البرلمانية على أساس اليقظة والاستباق والاقناع مستحضرين روح وفلسفة الخطاب الملكي السامي الذي وجهه صاحب الجلالة اعزه الله الى الامة بمناسبة الانعطافة التاريخية المحققة على مستوى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
بالموازاة مع ذلك، يتعين علينا مواصلة الاشتغال على الملفات المفتوحة إما باقتراح منا، أو في إطار جماعي على مستوى المجموعة البرلمانية الافريقية والأرومتوسطية، وعلى مستوى الامريكيتين، مواكبة للمبادرات الملكية النبيلة المتوخية للتنمية والازدهار المشترك، ومساهمة منا في الجهد الوطني المطلوب من أجل ربح رهانات المرحلة المقبلة من مسار تكريس السيادة الوطنية في اقاليمنا الجنوبية وصون وحدتنا الترابية.
ويتعين علينا، كما كان الأمر دائما، ونحن نشتغل في هذه الواجهة أن نتمثل دائما خطب وتوجيهات ورؤية صاحب الجلالة أعزه الله، وأن نرصد ما حققته بلادنا على مختلف الأصعدة من أجل التوجه الى المستقبل بنفس الثبات وبذات المتانة والتوافق الوطني، وهي صفات كانت دوما في صلب النجاحات والانتقالات التي حققتها بلادنا في إطار الاستقرار وفي ظل الملكية الدستورية الديموقراطية البرلمانية الاجتماعية.